ِ إذَا وَرَدَ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ حُكْمَانِ مُخْتَلِفَانِ، وَلَمْ يُمْكِنْ اسْتِعْمَالُهُمَا اُسْتُدِلَّ عَلَى نَسْخِ أَحَدِهِمَا بِأُمُورٍ: أَحَدُهَا: اقْتِضَاءُ اللَّفْظِ لَهُ، بِأَنْ يُعْلَمَ تَقَدُّمُ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، فَيَكُونُ الْمُتَقَدِّمُ مَنْسُوخًا، وَالْمُتَأَخِّرُ نَاسِخًا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الْمُرَادُ بِالتَّقَدُّمِ التَّقَدُّمُ فِي التَّنْزِيلِ، لَا التِّلَاوَةِ، فَإِنَّ الْعِدَّةَ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ سَابِقَةٌ فِي التِّلَاوَةِ عَلَى الْعِدَّةِ بِالْحَوْلِ، مَعَ أَنَّهَا نَاسِخَةٌ لَهَا، وَاقْتِضَاءُ اللَّفْظِ إمَّا بِالتَّصْرِيحِ كَقَوْلِهِ: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} [الأنفال: 66] فَإِنَّهُ يَقْتَضِي نَسْخَهُ لِثَبَاتِ الْوَاحِدِ لِلْعَشَرَةِ بِقَوْلِهِ: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 187] فَإِنَّهُ يَقْتَضِي نَسْخَ الْإِمْسَاكِ بَعْدَ الْفِطْرِ، وَقَوْلُهُ: {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ} [المجادلة: 13] الْآيَةَ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي نَسْخَ الصَّدَقَةِ عِنْدَ الْمُنَاجَاةِ، وَإِمَّا بِأَنْ يُذْكَرَ لَفْظٌ يَتَضَمَّنُ التَّنْبِيهَ عَلَى النَّسْخِ، كَمَا نَسَخَ الْإِمْسَاكَ فِي الْبُيُوتِ حَدَّ الزِّنَى بِقَوْلِهِ: {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} [النساء: 15] فَنَبَّهَ عَلَى عَدَمِ الِاسْتِدَامَةِ فِي الْإِمْسَاكِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: «خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا» ، وَإِمَّا بِالِاسْتِدْلَالِ بِأَنْ تَكُونَ إحْدَى الْآيَتَيْنِ مَكِّيَّةً، وَالْأُخْرَى مَدَنِيَّةً فَعُلِمَ أَنَّ الْمُنْزَلَ بِالْمَدِينَةِ نَاسِخٌ لِلْمُنْزَلِ بِمَكَّةَ. قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَغَيْرُهُ.
الثَّانِي: بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: هَذَا نَاسِخٌ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ، كَقَوْلِهِ: «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا» .
الثَّالِثُ: فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَرَجْمِ مَاعِزٍ، وَلَمْ يَجْلِدْهُ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَرَجْمُهُ بِالْحِجَارَةِ» مَنْسُوخٌ، ذَكَرَهُ