الثَّالِثُ: أَصْلُ الْخِلَافِ هُنَا الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي صِحَّةِ التَّكْلِيفِ بِمَا عَلِمَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ عِنْدَ وَقْتِهِ، وَكَذَلِكَ يَعْلَمُ الْمَأْمُورُ كَوْنَهُ مَأْمُورًا قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الِامْتِثَالِ. وَالْمُعْتَزِلَةُ يَمْنَعُونَهُ، وَلِهَذَا أَنْكَرُوا ثُبُوتَ الْأَمْرِ الْمُقَيَّدِ بِالشَّرْطِ، فَمَنْ قَالَ: إنَّهُ يَمْتَنِعُ كَالْمُعْتَزِلَةِ لَزِمَهُ هُنَا عَدَمُ جَوَازِ النَّسْخِ قَبْلَ وَقْتِهِ، إذْ لَا يَتَمَكَّنُ قَبْلَ الْوَقْتِ فَلَا أَمْرَ، وَالنَّسْخُ يَسْتَدْعِي تَحَقُّقَ الْأَمْرِ السَّابِقِ، فَيَسْتَحِيلُ النَّسْخُ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَيَلْزَمُ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ مُوَافَقَتُهُمْ هُنَا، لِأَنَّهُ وَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ. أَمَّا مَنْ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ كَالْجُمْهُورِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ بِجَوَازِهِ، وَأَنْ لَا يَقُولَ بِذَلِكَ، لِمَا يَظْهَرُ لَهُ مِنْ دَلِيلِ تَخْصِيصِهِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَرْعَ تِلْكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، أَعْنِي فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ كَمَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ، بَلْ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ فَقَطْ. وَفِي " تَقْرِيبِ " الْقَاضِي أَنَّ أَصْلَ الْخِلَافِ هُنَا الْخِلَافُ الْكَلَامِيُّ فِي جَوَازِ إعَادَةِ أَفْعَالِ الْعِبَادَةِ، وَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا.
مَسْأَلَةٌ لَا يُشْتَرَطُ فِي النَّسْخِ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ إشْعَارُ الْمُكَلَّفِ بِوُقُوعِهِ، خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَقَدْ سَبَقَتْ.