مَسْأَلَةٌ
شَرِيعَةُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاسِخَةٌ لِجَمِيعِ الشَّرَائِعِ بِالْإِجْمَاعِ، وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّ عِيسَى بُعِثَ مُقَرِّرًا لِشَرِيعَةِ مُوسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -، أَوْ بِشَرِيعَةٍ مُبْتَدَأَةٍ حَكَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي " الْمَطْلَبِ " ثُمَّ قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَمْ يَنْسَخْ كُلَّ شَرِيعَةِ مُوسَى، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [آل عمران: 50] لِأَنَّهُ لَمْ يُحْلِلْ لَهُمْ كُلَّ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ مِنْهُ الزِّنَى وَالْقَتْلَ وَالسَّرِقَةَ، وَإِنَّمَا أَحِلَّ لَهُمْ السَّبْتَ، وَلَحْمَ الْإِبِلِ، وَأَشْيَاءُ مِنْ الْحِيتَانِ وَالطَّيْرِ تَخْفِيفًا عَنْهُمْ. وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِمْ شَيْئًا لَمْ تُوجِبْهُ شَرِيعَةُ مُوسَى.
وَقَالَ الْإِمَامُ فِي تَفْسِيرِهِ: رُوِيَ أَنَّ الرُّسُلَ بَعْدَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَتْ شَرِيعَتُهُمْ وَاحِدَةً مُوَافِقَةً لِشَرِيعَةِ مُوسَى، إلَى أَنْ جَاءَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِشَرِيعَةٍ مُجَدِّدَةٍ. قَالَ: وَمَنَعَ الْقَاضِي كَوْنَ الرَّسُولِ الثَّانِي يَأْتِي بِشَرِيعَةِ الرَّسُولِ الْأَوَّلِ سَوَاءً، أَيْ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ إذَا كَانَتْ شَرِيعَةُ الْأَوَّلِ مَحْفُوظَةً يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهَا بِالتَّوَاتُرِ، لِأَنَّ الرَّسُولَ إذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُعْلَمْ مِنْ جِهَتِهِ إلَّا مَا قَدْ عُلِمَ مِنْ قَبْلُ، فَكَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْعَثَ رَسُولًا لَا شَرِيعَةَ مَعَهُ أَصْلًا لِمَا بَيَّنَ فِي الْعَقْلِيَّاتِ، كَذَلِكَ مَا نَحْنُ فِيهِ. وَأَجَابَ الْإِمَامُ عَنْ ذَلِكَ بِمَا يُوقَفُ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِ. .