مَسْأَلَةٌ
يَجِبُ اعْتِقَادُ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ قَبْلَ وُرُودِ النَّاسِخِ إنْ بَقِيَ الْأَمْرُ بِهِ، وَلَمْ يَرْتَفِعْ عَنْهُ بِضِدِّهِ، وَإِنْ جَوَّزْنَا النَّسْخَ قَبْلَ الْفِعْلِ. وَلَا يَجِيءُ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصَّصِ. وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: أَمَّا فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يُقْطَعُ بِالْحُكْمِ قَبْلَ ظُهُورِ نَاسِخِهِ، لِأَنَّ دَوَامَهُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ لِجَوَازِ نُزُولِ الْوَحْيِ بِمَا يَنْسَخُهُ. وَأَمَّا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَقَدْ انْتَفَى احْتِمَالُ النَّسْخِ وَصَارَ الْبَقَاءُ ثَابِتًا بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ. .
مَسْأَلَةٌ
يَجُوزُ نَسْخُ النَّسْخِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِجَوَازِهِ أَوَّلًا قَدْ يَتَّفِقُ فِي الثَّانِي. وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا حَكَاهُ الْعَبَّادِيُّ عَنْهُ: لَا أَعْلَمُ شَيْئًا أُحِلَّ، ثُمَّ حُرِّمَ، ثُمَّ أُحِلَّ، ثُمَّ حُرِّمَ، إلَّا الْمُتْعَةَ. وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهَا نُسِخَتْ خَمْسَ مَرَّاتٍ. وَمِمَّنْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ ابْنُ حَزْمٍ فِي " الْإِحْكَامِ ". وَقَالَ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَنْسَخَ اللَّهُ حُكْمًا بِغَيْرِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَنْسَخَ ذَلِكَ الثَّانِيَ [بِثَالِثٍ] ، وَذَلِكَ الثَّالِثَ بِرَابِعٍ، وَهَكَذَا كُلَّمَا زَادَ. وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ أُحِيلَتْ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ، وَصَحَّ التَّكْرِيرُ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي ابْنُ الْعَرَبِيِّ: نُسِخَتْ الْقِبْلَةُ مَرَّتَيْنِ، وَكَذَا نِكَاحُ الْمُتْعَةِ، وَلُحُومُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَلَا أَحْفَظُ رَابِعًا. قُلْت: وَادَّعَى بَعْضُهُمْ تَكَرُّرَ النَّسْخِ فِي الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ. .