وَأَمَّا فِي الِاصْطِلَاحِ، فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي حَدِّهِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ رَفْعُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِخِطَابٍ. وَالْمُرَادُ بِالْحُكْمِ مَا يَحْصُلُ عَلَى الْمُكَلَّفِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْقَدِيمَ لَا يَرْفَعُ. وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إلَى التَّعَلُّقِ، وَهُوَ حَادِثٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ نَفْسُهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ، وَالْمُرَادُ ارْتِفَاعُ دَوَامِ الْحُكْمِ بِمَعْنَى تَكَرُّرِهِ، لَا ارْتِفَاعُ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْخِطَابُ، لِأَنَّ مَا ثَبَتَ قِدَمُهُ اسْتَحَالَ عَدَمُهُ. وَتَقْيِيدُهُ بِالشَّرْعِيِّ يُخْرِجُ الْعَقْلِيَّ، كَالْمُبَاحِ الثَّابِتِ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ حَرَّمَ فَرْدًا مِنْ تِلْكَ الْأَفْرَادِ لَمْ يُسَمَّ نَسْخًا، وَقُلْنَا. بِخِطَابٍ، لِيَعُمَّ وُجُوهَ الْأَدِلَّةِ، وَلْيَخْرُجْ الْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ النَّسْخُ فِيهِمَا، وَلَا بِهِمَا، وَلْيَخْرُجْ ارْتِفَاعُهُ بِالْمَوْتِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى نَسْخًا، وَكَمَنْ سَقَطَ رِجْلَاهُ، فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ: نُسِخَ عَنْهُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ. وَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي " الْمَحْصُولِ " مِنْ أَنَّهُ نَسْخٌ ضَعِيفٌ.
وَمِنْهُمْ مَنْ زَادَ قَيْدَ " التَّرَاخِي " لِيَخْرُجَ الْمُتَّصِلُ بِالْحُكْمِ، كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ، وَالصِّفَةِ، لِأَنَّهُ بَيَانٌ لِغَايَةِ الْحُكْمِ، وَلَا يُسَمَّى نَسْخًا، لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ آخِرُ الْكَلَامِ قَدْ مَنَعَ أَوَّلَهُ.
وَقَوْلُنَا: " رَفْعُ حُكْمٍ " يُغْنِي عَنْ هَذَا