أَصْحَابِنَا فِي جَوَازِ تَأْخِيرِ بَيَانِ الْمُجْمَلِ، كَقَوْلِهِ: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: 43] وَكَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ الْبَيَانَ فِي الْخِطَابِ الْعَامِّ يَقَعُ بِفِعْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَالْفِعْلُ يَتَأَخَّرُ عَنْ الْقَوْلِ، لِأَنَّ بَيَانَهُ بِالْقَوْلِ أَسْرَعُ مِنْهُ بِالْفِعْلِ، وَأَمَّا الْعُمُومُ الَّذِي يُعْقَلُ مُرَادُهُ مِنْ ظَاهِرِهِ كَقَوْلِهِ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ تَأْخِيرَ بَيَانِهِ إلَى هَذَا كَمَا فِي مَذْهَبِ أَبِي بَكْرٍ الصَّيْرَفِيِّ. اهـ. وَكَذَلِكَ ابْنُ فُورَكٍ، وَالْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ فَإِنَّهُمَا حَكَيَا اتِّفَاقَ أَصْحَابِنَا عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ بَيَانِ الْمُجْمَلِ، ثُمَّ حَكَى خِلَافَهُمْ فِي تَأْخِيرِ اللَّفْظِ الَّذِي يُوجِبُ تَخْصِيصَ الْعُمُومِ أَوْ تَأْوِيلَ الظَّاهِرِ، وَنَسَبَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لِأَبِي حَامِدٍ الْمَرْوَرُوذِيِّ. وَحَكَاهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيَّ وَصَاحِبُ " الْمُعْتَمَدِ " عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ زَادَ صَاحِبُ " الْمِيزَانِ ": وَالْجَصَّاصُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيَّ: وَهُوَ عِنْدِي مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ نَسْخًا، إذَا تَرَاخَتْ عَنْهُ، وَلَا يُجِيزُونَهَا إلَّا بِمِثْلِ مَا يَجُوزُ بِهِ النَّسْخُ. وَلَوْ جَازَ عِنْدَهُمْ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ فِي مِثْلِهِ لَمَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ نَسْخًا، بَلْ بَيَانًا، وَقَدْ أَجَازُوا هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي الْمُجْمَلِ بِالْقِيَاسِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَلِهَذَا أَسْقَطُوا النِّيَّةَ فِي الصَّوْمِ، وَلَمْ يُوجِبْ عِنْدَهُمْ ذَلِكَ نَسْخَهُ، لِأَنَّهَا عَلَى وَجْهِ الْبَيَانِ.

وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ مِنْهُمْ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: دَلِيلُ الْخُصُوصِ إذَا اقْتَرَنَ بِالْعُمُومِ كَانَ بَيَانًا وَإِذَا تَأَخَّرَ لَمْ يَكُنْ بَيَانًا، بَلْ نَسْخًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: بَيَانٌ. وَأَصْلُ الْخِلَافِ أَنَّ مُطْلَقَ الْعَامِّ قَطْعِيٌّ كَالْخَاصِّ، وَعِنْدَهُ فَيَكُونُ دَلِيلُ الْخُصُوصِ بَيَانَ التَّفْسِيرِ لَا بَيَانَ التَّغْيِيرِ. وَنَسَبَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي " الْوَجِيزِ "

طور بواسطة نورين ميديا © 2015