وَقَالَ الْعَبْدَرِيّ بَعْدَ حِكَايَةِ الْمَذَاهِبِ: الصَّوَابُ أَنَّ الْبَيَانَ هُوَ مَجْمُوعُ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ حَدُّهُ: أَنَّهُ انْتِقَالُ مَا فِي نَفْسِ الْمُعَلِّمِ إلَى نَفْسِ الْمُتَعَلِّمِ بِوَاسِطَةِ الدَّلِيلِ. لَكِنَّ الِاصْطِلَاحَ إنَّمَا وَقَعَ عَلَى مَا رَسَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَذَلِكَ أَنَّ الدَّلِيلَ هُوَ أَقْوَى الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، وَأَكْثَرُهَا حَظًّا مِنْ إفَادَةِ الْبَيَانِ وَالْمُبَيَّنِ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْبَيَانَ إظْهَارُ الْمُرَادِ بِالْكَلَامِ الَّذِي لَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْمُرَادُ إلَّا بِهِ. قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَهَذَا الْحَدُّ أَحْسَنُ الْحُدُودِ، وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا أَوْرَدَهُ هُوَ عَلَى الصَّيْرَفِيِّ، أَعْنِي الْوَارِدَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ سَبْقِ إجْمَالٍ. وَقَالَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فِي كِتَابِهِ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَعْنَى الْبَيَانِ، فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ: هُوَ إظْهَارُ الْمَعْنَى وَإِيضَاحُهُ لِلْمُخَاطِبِ مُنْفَصِلًا عَمَّا يُسْتَرُ بِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ ظُهُورُ الْمُرَادِ لِلْمُخَاطِبِ، وَالْعِلْمُ بِالْأَمْرِ الَّذِي حَصَلَ لَهُ عِنْدَ الْخِطَابِ. قَالَ: وَهُوَ اخْتِيَارُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، لِأَنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ: " بَانَ هَذَا الْمَعْنَى " أَيْ ظَهَرَ. وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ أَيْ الْإِظْهَارُ. اهـ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ: قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الْبَيَانِ: إنَّهُ الْإِفْهَامُ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الدَّقَّاقُ: إنَّهُ الْعِلْمُ الَّذِي يَتَبَيَّنُ بِهِ الْمَعْلُومُ، حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ. وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي " الرِّسَالَةِ ": أَنَّ الْبَيَانَ اسْمٌ جَامِعٌ لِأُمُورٍ مُتَّفِقَةِ الْأُصُولِ مُتَشَعِّبَةِ الْفُرُوعِ، وَأَقَلُّ مَا فِيهِ أَنَّهُ بَيَانٌ لِمَنْ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِهِ، فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاوُد، وَقَالَ: الْبَيَانُ أَبْيَنُ مِنْ التَّفْسِيرِ الَّذِي فَسَّرَهُ بِهِ.