بِبَيَانِ أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ، وَهَذَا جَارٍ عَلَى قَوْلِهِ: إنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ هُوَ صِيغَةُ " افْعَلْ " وَالصَّوَابُ: تَغَيُّرُهُمَا، وَيَدُلُّ لَهُ ذَهَابُ الْجُمْهُورِ، وَمِنْهُمْ الْقَاضِي إلَى أَنَّ الْمَنْدُوبَ مَأْمُورٌ بِهِ مَعَ قَوْلِهِمْ: إنَّ صِيغَةَ " افْعَلْ " حَقِيقَةٌ فِي الْوُجُوبِ. قَالَ الْقَاضِي فِي مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ ": الْأَمْرُ الْحَقِيقِيُّ مَعْنًى قَائِمٌ بِالنَّفْسِ، وَحَقِيقَتُهُ اقْتِضَاءُ الطَّاعَةِ. ثُمَّ ذَلِكَ يَنْقَسِمُ إلَى نَدْبٍ وَوُجُوبٍ لِيَتَحَقَّقَ الِاقْتِضَاءُ فِيهِمَا، وَأَمَّا الْعِبَارَةُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالنَّفْسِ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: " افْعَلْ " فَمُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الدَّلَالَةِ عَلَى الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ وَالتَّهْدِيدِ، فَيُتَوَقَّفُ فِيهَا حَتَّى يَثْبُتَ بِقُيُودِ الْمَآلِ أَوْ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ تَخْصِيصُهَا بِبَعْضِ الْمُقْتَضِيَاتِ، فَهَذَا مَا نَرْتَضِيهِ مِنْ الْمَذَاهِبِ. قَالَ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ الْجَزَرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَجْوِبَةِ التَّحْصِيلِ ": لَفْظُ " أَمْرٍ " يَشْتَرِكُ بَيْنَ الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ وَالْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالذَّاتِ، وَذَلِكَ الْمَعْنَى هَلْ هُوَ طَلَبٌ أَوْ إرَادَةٌ؟ اخْتَلَفَ فِيهَا أَصْحَابُنَا وَالْمُعْتَزِلَةُ، وَالْقَدِيمُ هُوَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالذَّاتِ

عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَلَكِنْ لَا نَصِيرُ مَأْمُورِينَ بِهِ إلَّا إذَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى الْأَمْرُ الْقَوْلِيُّ. فَائِدَةٌ قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى: تَفْسِيرُ أَمْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - بِالطَّلَبِ مُحَالٌ فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ فِي حَقِّنَا مَيْلُ النَّفْسِ، وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ، وَتَفْسِيرُهُ بِالْأَدَاةِ وَالصِّيغَةِ مُمْتَنِعٌ، فَيَجِبُ تَفْسِيرُهُ بِالْإِخْبَارِ عَنْ الثَّوَابِ عَلَى الْقَوْلِ لَا غَيْرُ تَارَةً وَالْعِقَابِ عَلَى التَّرْكِ أُخْرَى. حَكَاهُ أَبُو الْمَحَاسِنِ الْمَرَاغِيُّ فِي كِتَابِ غُنْيَةً الْمُسْتَرْشِدِ ".

[هَلْ يُعْتَبَرُ فِي الْأَمْرِ الْعُلُوُّ أَوْ الِاسْتِعْلَاءُ]

وَهَلْ يُعْتَبَرُ فِي الْأَمْرِ الْعُلُوُّ أَوْ الِاسْتِعْلَاءُ؟ فِيهِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015