فِي مَدْلُولِ الْأَمْرِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي إثْبَاتِ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ وَنَفْيِهِ، فَصَارَ النُّفَاةُ إلَى أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ اللَّفْظِ اللِّسَانِيِّ فَقَطْ، وَالْأَمْرُ وَسَائِرُ الْكَلَامِ لَا حَقِيقَةَ لَهُ عِنْدَهُمْ إلَّا الْعِبَارَاتِ، فَقَالُوا: إنَّهُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى طَلَبِ الْفِعْلِ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ، وَصَارَ الْمُثْبِتُونَ إلَى تَفْسِيرِهِ بِالْمَعْنَى الذِّهْنِيِّ، وَهُوَ مَا قَامَ بِالنَّفْسِ مِنْ الطَّلَبِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْحَقِيقَةِ هُوَ ذَلِكَ الطَّلَبُ وَاللَّفْظُ دَالٌّ عَلَيْهِ، فَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ الْقَوْلُ الْمُقْتَضِي بِنَفْسِهِ طَاعَةَ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَيُرِيدُ بِالِاقْتِضَاءِ الطَّلَبَ فَيَخْرُجُ الْخَبَرُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَقْسَامِ الْكَلَامِ. وَيُحْتَرَزُ بِقَوْلِهِ " بِنَفْسِهِ " عَنْ الصِّيَغِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهَا لَا تَقْتَضِي بِنَفْسِهَا، بَلْ إنَّمَا يُشْعَرُ مَعْنَاهَا بِوَاسِطَةِ الْوَضْعِ وَالِاصْطِلَاحِ، وَقَوْلُهُ: " طَاعَةُ الْأَمْرِ " لِيَنْفَصِلَ الْأَمْرُ عَنْ الدُّعَاءِ وَالرَّهْبَةِ. وَهَذَا تَعْرِيفُ النَّفْسَانِيِّ فَإِنْ أَرَدْت اللِّسَانِيَّ أَسْقَطْت قَوْلَهُ: بِنَفْسِهِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ، بِأَنَّهُ عَرَّفَ الشَّيْءَ بِمَا يُسَاوِيهِ فِي الْخَفَاءِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْأَمْرَ لَا يَعْرِفُ الْمَأْمُورَ، فَإِنَّهُ تَعْرِيفٌ لَهُ بِمَا لَا يُعْرَفُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ، فَإِنَّ الطَّاعَةَ عِبَارَةٌ عَنْ مُوَافَقَةِ الْأَمْرِ، فَمَنْ لَا يَعْرِفُهُ لَا يَعْرِفُهَا ثُمَّ يَلْزَمُ الدَّوْرُ. وَيُجَابُ مِنْ جِهَةِ الطَّاعَةِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا الطَّاعَةُ اللُّغَوِيَّةُ. وَالصَّحِيحُ فِيهِ: أَنَّهُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى طَلَبِ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ بِالْوَضْعِ، فَخَرَجَ النَّهْيُ، فَإِنَّهُ طَلَبُ فِعْلٍ أَيْضًا وَلَكِنْ هُوَ كَفٌّ، وَخَرَجَ " بِالْأَمْرِ " نَحْوَ أَوْجَبْت عَلَيْك كَذَا فَإِنَّهُ صَادِقٌ عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِهِ خَبَرًا. قَالَ الْإِمَامُ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ اسْمٌ لِمُطْلَقِ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الطَّلَبِ الْمَانِعِ مِنْ النَّقِيضِ لَا لِمُطْلَقِ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى مُطْلَقِ الطَّلَبِ. قَالَ: وَذَلِكَ إنَّمَا يَظْهَرُ