فِيمَا بَعْدُ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف: 110] فَإِنَّمَا وَقَعَتْ " أَنَّمَا " هَاهُنَا؛ لِأَنَّك لَوْ قُلْت: أَنَّ إلَهَكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ كَانَ حَسَنًا. انْتَهَى.
الْأُولَى: حُرُوفُ الْجَرِّ يُسَمِّيهَا الْكُوفِيُّونَ الصِّفَاتِ لِنِيَابَتِهَا عَنْ الصِّفَاتِ وَيُجَوِّزُونَ دُخُولَ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ. أَيْ: أَنَّ هَذَا الْحَرْفَ بِمَعْنَى حَرْفِ كَذَا. وَمَنَعَ الْبَصْرِيُّونَ ذَلِكَ وَعَدَلُوا عَنْهُ إلَى تَضْمِينِ الْفِعْلِ مَعْنَى فِعْلٍ آخَرَ إبْقَاءً لِلَفْظِ الْحَرْفِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَكَأَنَّهُمْ رَأَوْا التَّجَوُّزَ فِي الْفِعْلِ أَخَفَّ مِنْ التَّجَوُّزِ فِي الْحَرْفِ. وَالْكُوفِيُّونَ عَكَسُوا ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ السَّيِّدِ: فِي الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَنْ أَجَازَ مُطْلَقًا يَلْزَمُهُ أَنْ يُجِيزَ سِرْت إلَى زَيْدٍ. يُرِيدُ مَعَ زَيْدٍ، وَمَنْ مَنَعَ مُطْلَقًا لَزِمَهُ أَنْ يَتَعَسَّفَ فِي التَّأْوِيلِ الْكَثِيرِ. فَالْحَقُّ: أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى السَّمَاعِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ فِي الْقِيَاسِ. ثُمَّ ذَكَرَ مَا حَاصِلُهُ يَرْجِعُ إلَى التَّضْمِينِ هُوَ تَضْمِينُ الْحَرْفِ مَعْنًى آخَرَ لِيُفِيدَ الْمَعْنَيَيْنِ كَقَوْلِهِ:
إذَا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْرٍ ... لَعَمْرُ اللَّهِ أَعْجَبَنِي رِضَاهَا
قِيلَ: إنَّمَا عُدِّيَ رَضِيَ بِعَلَيَّ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى أَقْبَلَتْ: وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: الْمَانِعُونَ إنَّمَا يَمْنَعُونَ الِاسْتِعْمَالَ حَقِيقَةً وَمَجَازًا، أَوْ حَقِيقَةً فَقَطْ، وَالْمُجَوِّزُونَ إمَّا أَنْ يَدَّعُوا فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةَ فِيهِ أَوْ يَقُولُوا بِالْمَجَازِ فِيهِ. فَإِنْ ادَّعَى الْمَانِعُونَ الْعُمُومَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا رَدُّوا