حتم ووجوب. وأجيب بأنه ليس فيه نفي الوجوب، وبأنه سابق على الأمر به، والإعلام بوجوبه.

ونقل الزين ابن المنيّر بعد قول الطحاويّ لمّا ذكر حديث عائشة: "فدلّ على أن الأمر بالغسل لم يكن للوجوب، وإنما كان لعلة، ثم ذهبت تلك العلّة، فذهب الغسل": وهذا من الطحاوي يقتضي سقوط الغسل أصلًا، فلا يُعدّ فرضًا، ولا مندوبًا، لقوله: زالت العلة إلخ، فيكون مذهبًا ثالثًا في المسألة. انتهى.

ولا يلزم من زوال العلة سقوط الندب تعبّدًا، ولا سيما مع احتمال وجود العلة المذكورة.

ثم إن هذه الأحاديث كلها لو سُلّمت لما دلّت إلا على نفي اشتراط الغسل، لا على الوجوب المجرد، كما تقدّم.

وأما ما أشار إليه ابن دقيق العيد من أن بعضهم أوّله بتأويل مُستَكره، فقد نقله ابن دحية عن القدوريّ من الحنفية، وأنه قال: قوله: "واجب": أي: ساقط، وقوله: "على" بمعنى "عن"، فيكون المعنى أنه غير لازم. ولا يَخفَى ما فيه من التكلّف.

وقال الزين ابن المنيّر: أصل الوجوب في اللغة: السقوط، فلما كان في الخطاب على المكلف عبء ثقيل كان كلُّ ما أُكّد طلبه منه يُسمّى واجبًا، كأنه سقط عليه، وهو أعمّ من كونه فرضًا أو ندبًا.

وهذا سبقه ابن بزيزة إليه، ثم تعقبه بأن اللفظ الشرعيّ خاصّ بمقتضاه شرعًا، لا وضعًا، وكأن الزين استشعر هذا الجواب، فزاد أن تخصيص الواجب بالفرض اصطلاح حادث.

وأجيب بأن "وجب" في اللغة لم ينحصر في السقوط، بل ورد بمعنى "مات"، وبمعنى "اضطرب"، وبمعنى "لزم"، وغير ذلك، والذي يتبادر إلى الفهم منها في الأحاديث أنها بمعنى "لزم"، لا سيما إذا سيقت لبيان الحكم.

وقد تقدّم في بعض طرق حديث ابن عمر: "الجمعة واجبة على كل محتلم"، وهو بمعنى اللزوم قطعًا، ويؤيده أن في بعض طرق حديث الباب: "واجب كغسل الجنابة". أخرجه ابن حبان من طريق الدراورديّ عن صفوان بن سُليم، وظاهره اللزوم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015