وأجاب عنه بعض القائلين بالندبية بأن التشبيه في الكيفية، لا في الحكم.

وقال ابن الجوزي: يحتمل أن تكون لفظة "الوجوب" مغيّرة من بعض الرواة، أو ثابتة، ونسخ الوجوب.

وردّ بأن الطعن في الروايات الثابتة بالظن الذي لا مستند له لا يُقبل، والنسخ لا يُصار إليه إلا بدليل.

ومجموع الأحاديث يدلّ على استمرار الحكم، فإن حديث عائشة أن ذلك كان في أول الحال، حيث كانوا مجهودين، وأبو هريرة، وابن عباس إنما صحبا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد أن حصل التوسع بالنسبة إلى ما كانوا فيه أوّلًا، ومع ذلك، فقد سمع كل منهما منه -صلى اللَّه عليه وسلم- الأمر بالغسل، والحثّ عليه، والترغيب فيه، فكيف يُدَّعَى النسخ بعد ذلك؟ . انتهى ما في "الفتح".

قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: ظاهر كلام الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ- أنه يميل إلى ترجيح القول بوجوب غسل الجمعة، وهو الواضح من الأدلّة المتقدّمة، لكن لمّا قامت الأدلة الصارفة عن الوجوب -كما تقدم تفصيلها، فيما سبق من البحث- تعيّن القول بالاستحباب الأكيد.

وتلك الأدلّة وإن كان في بعضها مقال، إلا أن مجموعها صالح لصرف الوجوب إلى الاستحباب، كما لا يخفى على من تأمل ذلك، ولا سيما حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عند مسلم، مرفوعًا: "من توضأ يوم الجمعة، فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة. . . " الحديث، فإنه صريح في الاجتزاء بالوضوء عن الغسل، وكقصة عمر مع عثمان -رضي اللَّه عنهما- بمحضر جمٍّ غفير من الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، وغير ذلك من الأدلة المتقدم ذكرها فيما سبق آنفًا.

ولقد أجاد القول في هذه المسألة العلامة الشوكانيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في كتابه "السيل الجرّار" فقال:

الأحاديثُ الصحيحة في "الصحيحين" وغيرهما من طريق جماعة من الصحابة قاضيةٌ بالوجوب، كحديث: "غسلُ الجمعة واجب على كل محتلم"، وحديث: "إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل"، ونحوهما، وكحديث أبي هريرة في "الصحيحين" وغيرهما مرفوعًا: "حقّ على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015