وأجيب: بأنه ليس فيه نفي الغسل، وقد ورد من وجه آخر في "الصحيحين" بلفظ: "من اغتسل"، فيَحْتَمِل أن يكون ذكر الوضوء لمن تقدّم غسله على الذهاب، فاحتاج إلى إعادة الوضوء.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: وفيه نظر، بل ما قاله القرطبيّ هو الظاهر، واللَّه تعالى أعلم.
(ومنها): حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أنه سئل عن غسل يوم الجمعة، أواجب هو؟ فقال: لا، ولكنه أطهر لمن اغتسل، ومن لم يغتسل، فليس بواجب عليه، وسأخبركم عن بدء الغسل، كان الناس مجهودين، يلبسون الصوف، ويعملون، وكان مسجدهم ضيقًا، فلما آذى بعضهم بعضًا، قال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيها الناس إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا"، قال ابن عباس: ثم جاء اللَّه بالخير، ولبسوا غير الصوف، وكُفُوا العمل، ووُسّع المسجد. أخرجه أبو داود، والطحاويّ، وإسناده حسن.
لكن الثابت عن ابن عباس خلافه، وعلى تقدير الصحة فالمرفوع منه ورد بصيغة الأمر الدالة على الوجوب، وأما نفي الوجوب، فهو موقوف؛ لأنه من استنباط ابن عباس.
وفيه نظر، إذ لا يلزم من زوال السبب زوال المسبب، كما في الرمل والجمار، وعلى تقدير تسليمه، فلمن قصر الوجوب على من به رائحة كريهة أن يتمسك به.
(ومنها): حديث طاوس، قلت لابن عباس: زعموا أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اغتسلوا يوم الجمعة، واغسلوا رؤوسكم، إلا أن تكونوا جنبًا. . . " الحديث. قال ابن حبان بعد أن أخرجه: فيه أن غسل الجمعة يُجزئ عنه غسل الجنابة، وأن غسل الجمعة ليس بفرض، إذ لو كان فرضًا لم يُجز عنه غيره. انتهى.
وهذه الزيادة: "إلا أن تكونوا جنبًا" تفرّد بها ابن إسحاق عن الزهري، وقد رواه شعيب عن الزهري بلفظ: "وإن لم تكونوا جنبًا"، وهذا هو المحفوظ عن الزهريّ.
(ومنها): حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، بلفظ: "لو اغتسلتم"، ففيه عرض وتنبيه، لا