فأما الحديث، فعَوَّل على المعارضة به كثير من المصنفين، ووجه الدلالة منه قوله: "فالغسل أفضل"، فإنه يقتضي اشتراك الوضوء والغسل في أصل الفضل، فيستلزم إجزاء الوضوء، ولهذا الحديث طرق، أشهرها، وأقواها رواية الحسن، عن سمرة، أخرجها أصحاب السنن الثلاثة، وابن خُزيمة، وابن حبان، وله علتان:
إحداهما أنه من عنعنة الحسن، والأخرى أنه اختُلف عليه فيه.
وأخرجه ابن ماجه من حديث أنس، والطبراني من حديث عبد الرحمن بن سمرة، والبزار من حديث أبي سعيد، وابن عديّ من حديث جابر، وكلها ضعيفة.
وعارضوا أيضًا بأحاديث:
(منها): الحديث: "وأن يستنّ، وأن يمسّ طيبًا". قال القرطبي: ظاهره وجوب الاستنان والطيب لذكرهما بالعاطف، فالتقدير: الغسل واجب والاستنان والطيب كذلك، قال: وليسا بواجبين اتفاقًا، فدلّ على أن الغسل ليس بواجب، إذ لا يصحّ تشريك ما ليس بواجب مع الواجب بلفظ واحد. انتهى.
وقد سبق إلى ذلك الطبريّ والطحاويّ، وتعقبه ابن الجوزيّ بأنه لا يمتنع عطف ما ليس بواجب على الواجب، لا سيما، ولم يقع التصريح بحكم المعطوف.
وقال ابن المنيّر في الحاشية: إن سُلّم أن المراد بالواجب الفرض لم ينفع دفعه بعطف ما ليس بواجب عليه؛ لأن للقائل أن يقول: أُخرج بدليل، فَيَبْقَى ما عداه على الأصل، وعلى أن دعوى الإجماع في الطيب مردودة، فقد روى سفيان بن عُيينة في "جامعه" عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أنه كان يوجب الطيب يوم الجمعة، وإسناده صحيح، وكذا قال بوجوبه بعض أهل الظاهر.
(ومنها): حديث أبي هريرة مرفوعًا: "من توضأ، فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة، فاستمع، وأنصت غفر له". أخرجه مسلم.
قال القرطبي: ذَكَرَ الوضوء وما معه مرتبًا عليه الثواب المقتضي للصحّة، فدلّ على أن الوضوء كاف.