قال ابن المنذر: ورأيت في حكاية الميموني، عن أحمد أنه قال: كان عكرمة يقول: إذا كانوا سبعة جمّعوا، قال: ورأيته كأنه يعجبه.
وحكاية أحمد قولَ عكرمة قولٌ سابع.
قال ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أوجب اللَّه تعالى على الخلق اتباع كتابه، وسنن نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال اللَّه جلّ ذكره: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} الآية [النساء: 59]، وقال اللَّه جلّ ذكره: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} الآية [الجمعة: 9]، فاتباع ظاهر كتاب اللَّه -عزَّ وجلَّ- يجب، ولا يجوز أن يُستثنى من ظاهر الكتاب جماعة، دون عدد جماعة بغير حُجّة، ولو كان للَّه في عدد دون عدد مرادٌ لبيّن ذلك في كتابه، أو على لسان نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما عمّ، ولم يخصّ كانت الجمعة على كل جماعة في دار إقامة على ظاهر الكتاب، وليس لأحد مع عموم الكتاب أن يُخرج قومًا من جملته بغير حجة يُفزَعُ إليها، وهذا يلزم مَن مذهبُهُ القول بعموم الكتاب، وأن لا يُحال ظاهر منه إلى باطن، ولا عامّ إلى خاصّ، إلا بكتاب، أو سنة، أو اتفاق.
وقد اختلفت الروايات عن عمر بن عبد العزيز، وقد ذكرناها، ولو لم تختلف الروايات عنه ما وجب الاستثناء من ظاهر الكتاب بقوله.
وليس لاحتجاج من احتجّ بقصة أسعد في أن لا تجزىء جمعة بأقلّ من أربعين حجةٌ؛ إذ ليس في شيء من الأخبار أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرهم إذا كان عددهم كذا أن يُصلّوا، وإن نقصوا من ذلك العدد لم يُصلّوا، إنما كتب أن يصلي بمن معه، ولو ورد كتاب النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعددهم أقلّ من أربعين، فترك أن يصلي بهم لكان تاركًا لما أمره به.
ودفع بعض أهل العلم قول من زعم أن الجمعة إنما تُصَلّى في مصر، أو مدينة يكون فيها قاض ينَفِّذ الأحكام، ويقيم الحدود بأن بعض أصحابه قد صلى بالمدينة الجمعة، وليس فيها منبر، ولا قاض، ولا كانت الحدود تُقام بها في ذلك الوقت.
وقد صلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أول ما قدم المدينة، وليس فيها منبر، وليس المنبر، والقاضي، والحدود من أمر الصلاة بسبيل.