فالصواب تحويل غزوة ذات الرقاع من هذا الموضع إلى ما بعد الخندق، بل بعد خيبر، وإنما ذكرناها ها هنا تقليدًا لأهل المغازي والسير، ثم تبيّن لنا وهمهم، وباللَّه التوفيق.
ومما يدل على أن غزوة ذات الرقاع بعد الخندق، ما رواه مسلم في "صحيحه" عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: أقبلنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى إذا كنا بذات الرقاع، قال: كنا إذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فجاء رجل من المشركين، وسيف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- معلَّق بالشجرة، فأخذ السيف فاخترطه، فذكر القصّة، وقال: فنودي بالصلاة، فصلى بطائفة ركعتين، ثم تأخروا، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، فكانت لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أربع ركعات، وللقوم ركعتان.
وصلاة الخوف إنما شُرِعت بعد الخندق، بل هذا يدل على أنها بعد عُسفان، واللَّه أعلم. انتهى كلام ابن القيّم -رَحِمَهُ اللَّهُ- (?).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي ذكره ابن القيّم -رَحِمَهُ اللَّهُ- بحثٌ نفيسٌ جدًّا، وحاصله أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد الخندق، بل بعد خيبر، وأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى فيها صلاة الخوف، وصلاها قبلها بعُسفان، وأول ما شُرعت صلاةُ الخوف بعُسفان، فتنبّه، واللَّه تعالى أعلم.
(صَلَاةَ الْخَوْفِ) مفعول "صلى" (أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ) بالفاء هكذا في أكثر النسخ، ووقع في بعضها: "صَلَّت معه"، وهما صحيحان، قاله النوويّ (?). (وَطَائِفَةٌ) يَحْتَمل النصب عطفًا على "طائفةً"، والرفع على الابتداء؛ أي: وطائفة أُخرى، وقوله: (وُجَاهَ الْعَدُوِّ) بكسر الواو، وضمّها؛ أي: مقابله، منصوب على الظرفيّة، وهو معطوفٌ على "معه" في الوجه الأول، ومتعلّق بخبر المبتدأ على الوجه الثاني.
قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "وطائفة وجاه العدو" هو بكسر الواو وضمها، يقال: وجاهه، وتُجاهه: أي: قبالته، والطائفة: الفِرْقة، والقطعة من الشيء، تقع على القليل والكثير، لكن قال الشافعيّ: أكره أن تكون الطائفة في صلاة الخوف أقلّ من ثلاثة، فينبغي أن تكون الطائفة التي مع الإمام ثلاثة فأكثر،