عياش الزُّرَقيّ -رضي اللَّه عنه-: كنا مع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بعسفان، فصلى بنا الظهر، وعلى المشركين يومئذ خالد بن الوليد، فقالوا: لقد أصبنا منهم غَفْلَةً، ثم قالوا: إن لهم صلاةً بعد هذه هي أحب إليهم من أموالهم وأبنائهم، فنزلت صلاة الخوف بين الظهر والعصر، فصلى بنا العصر، ففرَّقنا فرقتين، وذكر الحديث، رواه أحمد، وأهل "السنن".
وقال أبو هريرة -رضي اللَّه عنه-: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نازلًا بين ضَجْنان وعُسفان محاصرًا للمشركين، فقال المشركون: إن لهؤلاء صلاةً هي أحب إليهم من أبنائهم وأموالهم، أَجْمِعُوا أمركم، ثم ميلوا عليهم مَيْلَةً واحدةً، فجاء جبريل، فأمره أن يَقْسِم أصحابه نصفين، وذكر الحديث، قال الترمذيّ: حديث حسن صحيح.
ولا خلاف بينهم أن غزوة عُسفان كانت بعد الخندق، وقد صحّ عنه أنه صلى صلاة الخوف بذات الرقاع، فعلم أنها بعد الخندق، وبعد عسفان.
ويُؤَيِّد هذا أن أبا هريرة وأبا موسى الأشعري شَهِدا ذات الرقاع، كما في "الصحيحين" عن أبي موسى، أنه شهد غزوة ذات الرقاع، وأنهم كانوا يَلُفُّون على أرجلهم الْخِرَق لَمَّا نَقِبَت.
وأما أبو هريرة، ففي "المسند"، و"السنن" أن مروان بن الحكم سأله، هل صليت مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلاة الخوف؟ قال: نعم، قال: متى؟ قال: عام غزوة نجد.
وهذا يدلّ على أن غزوة ذات الرقاع بعد خيبر، وأن من جعلها قبل الخندق فقد وَهِمَ وَهْمًا ظاهرًا، ولما لم يفطن بعضهم لهذا ادَّعَى أن غزوة ذات الرقاع كانت مرتين، فمرةً قبل الخندق، ومرةً بعدها على عادتهم في تعديد الوقائع إذا اختلفت ألفاظها أو تاريخها، ولو صح لهذا القائل ما ذكره، ولا يصحّ لم يمكن أن يكون قد صلى بهم صلاة الخوف في المرة الأولى؛ لما تقدم من قصة عُسفان، وكونِها بعد الخندق، ولهم أن يجيبوا عن هذا بأن تأخير يوم الخندق جائز غير منسوخ، وأن في حال المسايفة يجوز تأخير الصلاة إلى أن يتمكن من فعلها، وهذا أحد القولين في مذهب أحمد -رَحِمَهُ اللَّهُ- وغيره، لكن لا حيلة لهم في قصة عُسفان أن أول صلاة صلاها للخوف بها، وأنها بعد الخندق.