(ثُمَّ رَكَعَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-) أي: بعد أن قام، وقرأ الفاتحة والسورة (وَرَكَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، وَرَفَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ انْحَدَرَ بالسُّجُودِ، وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، الَّذِي كَانَ مُؤَخَّرًا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَقَامَ الصَّفَّ الْمُؤَخَّرُ) أي: الذي كان مقدّمًا في الركعة الأولى (فِي نُحُورِ الْعَدُوِّ) هكذا في بعض النسخ "نحور" بلفظ الجمع، وفي بعضها "نحر" بالإفراد (فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- السُّجُودَ، وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ، فَسَجَدُوا، ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَسَلَّمْنَا جَمِيعًا) وفي الرواية التالية: "فلما سجد الصفّ الثاني، ثم جلسوا جميعًا سلّم عليهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-".

والحديث دليلٌ على أنه إذا كان العدوّ في جهة القبلة فإنه يُخالف ما إذا لم يكن كذلك، فإنها تُمكن الحراسة مع دخولهم جميعًا في الصلاة، وذلك أن الحاجة إلى الحراسة إنما تكون في حال السجود فقط؛ لأن حال الركوع لا يمتنع معه إدراك أحوال العدوّ، فيتابعون الإمام جميعًا في القيام والركوع، ويَحرِس الصفّ المؤخّر في حال السجدتين بأن يتركوا المتابعة للإمام، ثم يسجدون عند قيام الصفّ الأول، ويتقدّم الصفّ المؤخّر إلى محلّ الصفّ المقدّم، ويتأخّر المقدّم ليتابع المؤخّر الإمام في السجدتين الأخيرتين، فيصحّ مع كل من الطائفتين المتابعة في سجدتين.

قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وحديث ابن عباس -أي: عند البخاريّ وغيره- نحو حديث جابر، لكن ليس فيه تقدم الصفّ، وتأخر الآخر، وبهذا الحديث قال الشافعيّ، وابن أبي ليلى، وأبو يوسف إذا كان العدو في جهة القبلة، ويجوز عند الشافعيّ تقدم الصف الثاني، وتأخر الأول، كما في رواية جابر، ويجوز بقاؤهما على حالهما، كما هو ظاهر حديث ابن عباس. انتهى.

قال في "المرعاة": والصفة المذكورة في حديث جابر -رضي اللَّه عنه- لا توافق ظاهر الآية، ولا توافق الرواية الأولى عن ابن عمر، ولا رواية يزيد بن رُومان، ولا رواية جابر في غزوة ذات الرقاع، إلا أنه قد يقال: إنها تختلف باختلاف الأحوال.

وقال الطحاويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ليس هذا بخلاف القرآن؛ لجواز أن يكون قوله تعالى: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى} [النساء: 102] إذا كان العدوّ في غير القبلة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015