ومن حجته أن اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- ذكر استفتاح الإمام ببعضهم لقوله: {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} [النساء: 102] وذكر انصراف الطائفتين، والإمامِ من الصلاة معًا بقوله: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ} [النساء: 103] ذلك للجميع، لا للبعض، ولم يذكر أن على واحد منهم قضاءً، قال: وفي الآية دليل على أن الطائفة الثانية لا تدخل في الصلاة إلَّا بانصراف الأولى، لقوله: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا}، وفي قوله: {فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} دليل على أن الطائفة الثانية تنصرف، ولم يبق عليها من الصلاة شيء تفعله بعد الإمام.

هذا كله نَزَعَ به بعض أصحاب الشافعيّ بالاحتجاج له على الكوفيين وغيرهم.

ولم يختلف قول مالك، والشافعيّ، وأبي ثور أن الإمام إذا قرأ في الركعة الثانية بأم القرآن وسورة قبل أن تأتي الطائفة الأخرى، ثم أتته، فركع بها حين دخلت معه، قبل أن تقرأ شيئًا أنه يجزئهم، إلَّا أن الشافعي قال: إن أدركوا معهم ما يمكنهم فيه قراءة فاتحة الكتاب فلا يجزئهم إلَّا أن يقرؤوها.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد تقدم في باب القراءة أن الراجح أن المسبوق إذا أدرك الركوع ولم يدرك القراءة لا تجزئه تلك الركعة، بل لا بدّ من قضائها بعد سلام الإمام؛ لأنه لا صلاة إلَّا بأم القرآن. فتنبّه، واللَّه تعالى أعلم.

قال ابن عبد البرّ: وقول أحمد بن حنبل في صلاة الخوف كقول الشافعيّ سواءً على حديث سهل بن أبي حَثْمَة، وروايةُ يزيد بن رُومان هو المختار عند أحمد، وكان لا يَعيب مَن فعل شيئًا من الأوجه المروية في صلاة الخوف، قال: ولكني أختار حديث سهل بن أبي حثمة؛ لأنه أنكى للعدوّ.

وقال الأثرم: قلت له: حديث سهل بن أبي حثمة تستعمله، والعدوّ مستقبلُ القبلة، وغيرُ مستقبلها؟ قال: نعم هذا أنكى لهم؛ لأنه يصلي بطائفة، ثم يذهبون، ثم يصلي بأخرى، ثم يذهبون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015