بأن غَضِبَ عليهم، ولو قدر لحاربهم باليد، أو باللسان (فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ") برفع "حبّةُ" على أنه اسم "ليس" مؤخّرًا، و"وراء ذلك" خبرها مقدّمًا، وقوله: "من الإيمان" صفتها قُدّم عليه فأعرب حالًا؛ لأن نعت النكرة إذا قُدّم يُعرب حالًا، كما في قوله:
لِمَيَّةَ مُوحِشًا طَلَلُ ... يَلُوحُ كَأَنَّهُ خِلَلُ
وذهب المظهر إلى أن الإشارةَ بـ "ذلك" إلى الإيمان في المرتبة الثالثة، ويحتمل أن يُشار به إلى المذكور كلّه، أي ليس وراء ما ذكرت من مراتب الإيمان مرتبة قطّ؛ لأن من لم يُنكر بالقلب رضي بالمنكر، والرضا بالمنكر كفرٌ، فتكون هذه الجملة المصدّرة بـ "ليس" معطوفةً على الجملة قبلها بكمالها، كذا قاله الطيبيّ.
وقال القاري بعد ذكره كلام الطيبيّ هذا: والأول هو الظاهر، أي وراء الجهاد بالقلب، يعني أن من لم ينكر عليهم بالقلب بعد العجز عن جهادهم بيده ولسانه، فلم يكن فيه حبّة خردل من الإيمان؛ لأن أدنى مراتب أهل الإيمان أن لا يستحسن المعاصي، وينكرها بقلبه، فإن لم يفعل ذلك، فقد خرج عن دائرة الإيمان، ودخل فيمن استحلّ محارم الله، واعتقد بطلان أحكامه. انتهى كلام القاري (?).
(قَالَ أَبُو رَافِعٍ) القبطيّ - رضي الله عنه - (فَحَدَّثْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ) بن الخطّاب - رضي الله عنهما -، فـ "عبد لله" منصوب على المفعوليّة، والمتعلَّق محذوفٌ، أي بهذا الحديث (فَأنْكَرَهُ) أي هذا الحديث (عَلَيَّ) هذا الإنكار يُحمل على أنه من باب التأكّد في صحّة سياق الحديث؛ إذ يحتمل أن يزيد، أو ينقص، أو يحرّف بعضه؛ لأن الإنسان عُرضة لهذا كلّه، فالنسيان طبيعته، والذهول سجيّته، وليس من باب الردّ عليه لاتهامه؛ لأن أبا رافع - رضي الله عنه - صحابيّ جليلٌ، رفيعُ القدر، معلوم العدالة والصدق عند ابن عمر - رضي الله عنهما -، ونظيره ما وقع لوالده عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه - حيث أنكر على الصحابيّ الجليل أبي موسى الأشعريّ - رضي الله عنه - في قضية الاستئذان، حتى شهد له أبو سعيد الخدريّ - رضي الله عنه -، وقصّتهما مشهورة في