وقال جماعة من أهل اللغة، منهم أبو زيد: يقال كلّ واحد منهما بالفتح والإسكان، ومنهم من جوّز الفتح في الشرّ، ولم يُجوّز الإسكان في الخير. انتهى (?).
وقال الطيبيّ: "الْخَلَفُ" بالتحريك والتسكين، وخُصّ الأول بالْخَلَف الصِّدْق، والثاني بالسُوء، ويُجمع خَلَفٌ على أَخلاف، كسَلَف وأسلاف، وخَلْفٌ على خُلُوف، كعَدْل وعُدُول، والمعنى أنه يجيء من بعد أولئك السلف الصالح أناسٌ لا خير فيهم، ولا خَلاقَ لهم في أمور الديانات. انتهى (?).
(يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ) قال الطيبيّ رحمه الله تعالى: وَصَفَ الْخُلُوف بوصفين مقابلين لما وصف الأصحاب بهما، فهم تصلّفوا، حيث قالوا: فعلنا ما أُمرنا من واجبات الدين، وفضائل الأعمال، ولم يفعلوا شيئًا من ذلك، بل فَعَلوا ما نُهُوا عنه، وهو الْمَعْنِيُّ بقوله (وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ) إذ فعل ما لم يؤمر به شرعًا من البدع المنهيّ عنها، وهو إيماء إلى قوله تعالى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ} والآية [آل عمران: 188]، وقوله عزَّ وجلَّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (?) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (?)} [الصفّ: 2 - 3]، بخلاف السلف الصالح، فإنهم لَمّا اقتدوا بهدي نبيّ الله انخرطوا في سلك الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. انتهى (?).
والفاء في قوله: (فَمَنْ جَاهَدَهُمْ) واقعة في جزاء شرط محذوف، أي إذا تقرّر ذلك، فمن حاربهم، وأنكر عليهم (بِيَدِهِ) بأن أزال المنكر (فَهُوَ مُؤْمِنٌ) قال الطيبيّ: التنكير فيه للتنويع، فإن الأول دلّ على كمال الإيمان، والثالث على نقصانه، والمتوسّط على القصد فيه، وفي "حبة خردل" على نفيه بالكليّة. انتهى. (وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ) أي أنكر عليهم (بِقَلْبِهِ)