(وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ) أي: فَوَّضتُ أمري إليك، لا إلى الأسباب العاديّة، وإن كنتُ آخذًا بها، فإن الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل، وإنما ينافيه الاعتماد عليها (وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ) أي: أطعت، ورجعت إلى عبادتك؛ أي: أقبلت عليها، وقيل: معناه: رجعت إليك في تدبيري؛ أي: فوّضت إليك.
وقال في "المرعاة": "وإليك أنبت": أي: رجعت إليك مقبلًا بقلبي عليك، قيل: التوبة والإنابة كلاهما بمعنى الرجوع، ومقام الإنابة أعلى وأرفع. انتهى.
(وَبِكَ خَاصَمْتُ) أي: بما أعطيتني من البراهين والقوّة، وبما لقّنتني من الْحُجَج خاصمت مَن عاند فيك، وكفر بك، وقمعتُهُ بالحجة والسيف (وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ) أي: رفعت أمري إليك، والمحاكمة رفع الأمر إلى القاضي.
وقال القرطبيّ: معناه: وإليك فوّضت الحكومة، كما قال اللَّه تعالى: {أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [الزمر: 46].
وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أي: كلُّ من جحد الحقّ حاكمته إليك، وجعلتك الحَكَم بيني وبينه، لا غيرك، مما كانت تتحاكم إليه الجاهلية، وغيرهم، من صنم، وكاهن، ونار، وشيطان، وغيرها، فلا أرضى إلَّا بحكمك، ولا أعتمد غيره.
وقال في "الفتح": قدّم مجموع صلات هذه الأفعال عليها إشعارًا بالتخصيص، وإفادةً للحصر، وكذا قوله: "ولك الحمد". انتهى.
(فَاغْفِرْ لِي) قال -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك مع كونه مغفورًا له إما على سبيل التواضع، والهضم لنفسه، وإجلالًا، وتعظيمًا لربّه، أو على سبيل التعليم لأمته، لتقتدي به فيه، كذا قيل، والأولى أنه لمجموع ذلك، وإلا لو كان للتعليم فقط لكفى فيه أمرهم بأن يقولوا ذلك، أفاده في "الفتح".
وقال القرطبيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قد تقدّم الكلام على عصمة الأنبياء والذنوب المنسوبة إليهم في "كتاب الطهارة"، فإذا فرّعنا على جواز الصغائر عليهم، فيكون الاستغفار على بابه وظاهره، وإن أحلنا ذلك عليهم، فيكون استغفاره