قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} الآية [لقمان: 25]، ولم يُعرف في ذلك منازعٌ يُعتدّ به، وكأنه لهذا عدل إلى التنكير في البقيّة حيث وُجد المنازع فيها.
بقي أن المناسب لذلك أن يقال: وقولك الحقّ، كما في رواية مسلم، فكأن التنكير في رواية البخاريّ للمشاكلة، قاله السنديُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
وقال الطيبيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: عَرَّف الخبر فيهما، ونَكَّر في البواقي؛ لأنه لا منكر خلفًا وسلَفًا أن اللَّه تعالى هو الثابت الدائم الباقي، وما سواه في معرض الزوال، قال لبيد:
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ
وكذا وعده مختصّ بالإنجاز دون وعد غيره، إما قصدًا وإما عجزًا، تعالى اللَّه عنهما، والتنكير في البواقي للتفخيم. انتهى.
وقال القاري -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فإن قلت: لِمَ عَرَّف الحقّ في الأُوليين، ونكّر في البواقي؟ .
قلت: المعرّف بلام الجنس والنكرة المسافة بينهما قريبةٌ، بل صرّحوا بأنّ مؤدّاهما واحدٌ، لا فرق بينهما إلَّا بأن في المعرفة إشارةً إلى أن الماهيّة التي دخل عليها اللام معلومة للسامع، وفي النكرة لا إشارة إليها، وإن لَمْ تكن إلَّا معلومةً. انتهى (?).
(وَقَوْلُكَ الْحَقُّ) أي: مدلوله ثابت (وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ) هو عبارة عن مآل الخلق في الدار الآخرة بالنسبة إلى الجزاء على الأعمال، وفيه الإقرار بالبعث بعد الموت، وقيل: رؤيتك في الدار الآخرة حيث لا مانع، وقيل: لقاء جزاء لأهل السعادة والشقاوة.
وقيل: معنى "لقاؤك حقّ": أي: الموت، وردّه النوويُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
وعبارته في "شرحه": قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنت الحق"، قال العلماء: الحقّ في أسمائه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- معناه: المتحقِّق وجودُهُ وكلُّ شيء صحّ وجوده وتحقق فهو حقٌّ، ومنه الحاقّة: أي: الكائنة حقًّا بغير شك، ومثله قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا الحديث: