وَجَامِعُنَا وَالسَّيِّدُ احْفَظْ فَهَذِهِ ... مَعَانٍ أَتَتْ لِلرَّبِّ وَادْعُ لِمَنْ نَظَمْ
وقد استوفيت البحث في هذا هناك، فارجع إليه (?) تزدد علمًا، وباللَّه تعالى التوفيق.
وقوله: (وَمَنْ فِيهِنَّ) عبّر بـ "من" تغليبًا للعقلاء، لشرفهم، وإلا فهو ربّ كل شيء، ومليكه.
(أَنْتَ الْحَقُّ) أي: المتحقِّق الوجود الثابتُ بلا شكّ، وقال القرطبيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أي: واجب الوجود، وأصله من حَقَّ الشيءُ: إذا ثبتَ، ووجبَ، ومنه قوله تعالى: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ} الآية [الزمر: 19]، وقوله: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} الآية [السجدة: 13] أي: ثَبَت، ووجب.
وهذا الوصف للَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بالحقيقة والخصوصية، لا ينبغي لغيره؛ إذ وجوده لنفسه، فلم يسبقه عدم، ولا يلحقه عدم، وما عداه ممن يقال عليه هذا الاسم، مسبوق بعدم، ويجوز عليه لَحَاق العدم، ووجوده من مُوجِده، لا من نفسه، وباعتبار هذا المعنى كان أصدقَ كلمة قالها الشاعر كلمةُ لبيد [من الطويل]:
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلُ
وإليه الإشارة بقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 88]. انتهى. وقال ابن التين: يحتمل أن يكون معناه: أنت الحقّ بالنسبة إلى من يدّعى فيه أنه إله، أو بمعنى أن من سمّاك إلهًا فقد قال الحق. انتهى.
(وَوَعْدُكَ الْحَقُّ) أي: الصادق، لا يمكن التخلّف فيه، قال في "الفتح": وعرّفه، ونكّر ما بعده؛ لأن وعده مختصّ بالإنجاز، دون وعد غيره، والتنكير في البواقي للتعظيم، قاله الطيبيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
وقال في "المرعاة": والظاهر أن تعريف الخبر فيه، وفي قوله: "أنت الحقّ" ليس للقصر، وإنما هو لإفادة أن الحكم به ظاهرٌ مُسلَّمٌ، لا منازع فيه، كما قال علماء المعاني في قوله: "ووالداك العبد"، وذلك لأن مرجع هذا الكلام إلى أنه تعالى موجود، صادق الوعد، وهذا أمرٌ يقوله المؤمن والكافر،