وهذه الجملة تعليل للحمد، فكأنه يقول: إنما حَمَدتك؛ لأنك أنت الذي تقوم بحفظ المخلوقات، وتُراعيها، وتؤتي كل شيء ما به قوامه، وما به يَنتفع إلى غير ذلك، وتكرير الحمد المُخَصَّص للاهتمام بشأنه، وليُنَاط به كلَّ مرّة معنى آخر.

(وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَمَنْ فِيهِنَّ) أي: مصلحهما، ومصلح مَن فيهما، مأخوذ من الرّبّة، وهي نَبْتٌ تَصْلَحُ عليه المواشي، يقال: ربّ يرُبّ رَبًّا، فهو رابّ، ورَبّ، ورَبَّى يُرَبِّي تَرْبية، فهو مُرَبّ، قال النابغة [من الطويل]:

وَرَبَّ عَلَيْهِ اللَّهُ أَحَسَنَ صُنْعَهُ

وقال آخر [من الطويل أيضًا]:

يَرُبُّ الَّذِي يَأْتِي مِنَ الْخَيْرِ أَنَّهُ ... إِذَا فَعَلَ الْمَعْرُوفَ زَادَ وَتَمَّمَا

والربّ أيضًا السيّد، فيكون معناه أنه سَيِّد من في السموات والأرض، والربّ المالك: أي: هو مالكهما، ومالك من فيهما، قاله في "المفهم".

وقال القاضي عياضٌ -عَزَّ وَجَلَّ-: قال العلماء: للرب ثلاثُ معانٍ في اللغة: السيد المطاع، والمالك، والمصلح، لكن إذا كان بمعنى السيّد المطاع، فقد قال بعضهم: إنه لا يقع إلَّا على من يَعقل، ولا يصلح هذا التأويل إلَّا أن يُجعل {الْعَالَمِينَ} في قوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} على الجنّ والإنس، وإلى هذا نحا أبو سليمان -يعني الخطابيّ- إذ قال: لا يصحّ أن يقال: سَيِّد الجبال والشجر، قال القاضي عياض: لا معنى لهذا، والكلّ له مطيع منيب، قال اللَّه تعالى: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11]. انتهى كلام القاضي -رَحِمَهُ اللَّهُ- (?)، وهو تعقّب حسنٌ، واللَّه تعالى أعلم.

وقد تقدّم في "شرح المقدّمة" أن بعضهم أوصل معاني الربّ إلى أربعة عشر معنًى، ونظمها بقوله [من الطويل]:

قَرِيبٌ مُحِيطٌ مَالِكٌ وَمُدَبِّرٌ ... مُرَبٍّ مُرِيدُ الْخَيْرِ وَالْمُولِي لِلنِّعَمْ

وَخَالِقُنَا الْمَعْبُودُ جَابِرُ كَسْرِنَا ... وَمُصْلِحُنَا وَالصَّاحِبُ الثَّابِتُ الْقَدَمْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015