يمكن حملها على ظاهرها، فيكون سأل اللَّه تعالى أن يَجعَل له في كل عضو من أعضائه نورًا يستضيء به يوم القيامة في تلك الظّلَم، هو ومن تبعه، أو من شاء اللَّه منهم، قال: والأولى أن يقال: هي مستعارة للعلم والهداية، كما قال تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} الآية [الزمر: 22]، وقوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} الآية [الأنعام: 122]؛ أي: علمًا وهدايةً، قال: والتحقيق في معنى النور: أن النور مُظْهِر ما يُنْسَب إليه، وهو يختلف بحسبه، فنور الشمس مُظهِر للمبصرات، ونور القلب كاشفٌ عن المعلومات، ونور الجوارح ما يبدو عليها من أعمال الطاعات، فكأنه دعا بإظهار الطاعات عليها دائمًا، واللَّه تعالى أعلم. انتهى كلام الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وهو تحقيقٌ نفيسٌ (?).
وقال الطيبيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: معنى طلب النور للأعضاء عضوًا عضوًا أن يتحلَّى بأنوار المعرفة والطاعات، ويتعَرَّى عن ظلمة الجهالة والمعاصي؛ لأن الإنسان ذو سهو وطغيان، قد أحاطت به ظلمات الجبلّة، مُعتوِرةً عليه من فرقه إلى قدمه، والأدخنة الثائرة من نيران الشهوات من جوانبه، والشيطان يأتيه من الجهات الست بوساوسه وشُبُهاته، ظلمات بعضها فوق بعض، فلم ير للتخلُّص منها مساغًا إلَّا بتلك الأنوار السادّة لتلك الجهات، فسأل اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أن يُمِدّه بها؛ ليستأصل تلك الظلمات؛ إرشادًا للأمة، وتعليمًا لهم، قال: وكلّ هذه الأمور راجعةٌ إلى الهداية والبيان، وضياء الحقّ، والى ذلك يرشد قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} إلى قوله تعالى: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} الآية [النور: 35]، وإلى أودية تلك الظلمات يلمح قوله تعالى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ} -إلى قوله-: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} الآية [النور: 40]، وقوله: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40]، اللهم إنا نعوذ بك من تلك الظلمات، ونسألك هذه الأنوار. انتهى كلام الطيبيُّ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ببعض تصرّف (?).
وقال الطيبيّ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أيضًا: خَصَّ السمع والبصر والقلب بلفظ بـ "في" الظرفيّة؛ لأن القلب مَقَرُّ الفِكَرِ في الماء اللَّه ونعمائه، ومكانها ومعدنها، والبصر