وأما رواية مسلم الآتية بلفظ: "ثم أوتر بثلاث" ففي كونها محفوظةً كلامٌ، ولعلّ ذلك من حبيب بن أبي ثابت الراوي عن عليّ بن عبد اللَّه بن عبّاس، فإن فيه مقالًا، وقد اختُلف عليه فيه في إسناده ومتنه اختلافًا، قاله في "المرعاة" (?).
(ثُمَّ اضْطَجَعَ) تقدّم الاختلاف في الاضطجاع هل كان قبل ركعتي الفجر، أو بعدهما؟ (فَنَامَ، حَتَّى نَفَخَ) من باب نصر؛ أي: تنفّس بصوت حتى يُسمع منه صوت النفخ بالفم، كما يُسمع من النائم (?). (وَكَانَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- (إِذَا نَامَ نَفَخَ) وفي رواية شعبة المذكورة: "ثم نام حتى نفخ، وكنّا نعرفه إذا نام بنفخه" (فَأَتَاهُ بِلَالٌ) هو ابن رَبَاح، وهو ابن حَمَامة، وهي أمه، مؤذّن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، مولى أبي بكر الصدّيق -رضي اللَّه عنهما-، من السابقين الأولين، شهد بدرًا وما بعدها، ومات بالشام سنة (17) أو (18) أو (20) تقدّمت ترجمته في "الطهارة" 23/ 643. (فَآذَنَهُ) بالمدّ: أي: أعلم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- (بِالصَّلَاةِ) أي: بحضور وقت صلاة الصبح (فَقَامَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- (فَصَلَّى) أي: صلاة الصبح بالناس (وَلَمْ يَتَوَضَّأُ) أي: لأن نومه لا ينقض الوضوء، قال في "المرعاة": قيل: إنما لم يتوضّأ، وقد نام حتى نفخ؛ لأن النوم لا ينقض الطهر بنفسه، بل لأنه مظنّة خروج الخارج، ولَمّا كان قلبه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقظان لا ينام، ولم يكن نومه مظنّة في حقّه فلا يؤثّر؛ لأنه يعلم بتيقّظ قلبه بقاء وضوئه، وهذا من خصائصه -صلى اللَّه عليه وسلم-. انتهى ببعض تصرّف (?).
وفي رواية ابن عيينة، عن عمرو بن دينار الآتية: "فصلى الصبح، ولم يتوضّأ، قال سفيان: وهذا للنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- خاصّةً؛ لأنه بلغنا أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- تنام عينه، ولا ينام قلبه".
وقال الطيبيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا من خصائصه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأن عينه كانت تنام، ولا ينام قلبه، فيَقَظة قلبه تمنعه من الحدث، وإنما مُنع النومَ قلبُهُ لِيَعِيَ الوحيَ إذا أُوحي إليه في منامه، قال عُبيد بن عُمير: رؤيا الأنبياء وحي، ثم قرأ: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102]. انتهى (?).