عدم التفريط، وهذا معنى قوله فيما يأتي من الروايات، ففي رواية: "وتوضّأ، وأسبغ الوضوء، ولم يُهرق من الماء إلَّا قليلًا"، وفي رواية: "فتوضّأ منها، فأحسن وضوءه"، وفي رواية: "فتوضّأ وضوءًا خفيفًا"، فكلّها ترجع إلى معنى واحد، وهو أنه أتى بمندوبات الوضوء، مع التخفيف في استعمال الماء.
وقال الطيبيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "ولم يُكثر، وقد أبلغ" بيان لقوله: "بين الوضوءين"، وهو صفة أخرى (?) و"وضوءًا"، كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)} [الفرقان: 67]، يعني أنه لَمْ يُكثر صبّ الماء، وقد أبلغ الوضوء أماكنه؛ أي: أسبغ الوضوء، وهو الوضوء الحسن (?). انتهى (?).
وقال في "الفتح": يَحْتَمِل أن يكون المراد أنه قَلَّل من الماء، مع التثليث، أو اقتصر على دون الثلاث في الغسل، ووقع في رواية شعبة، عن سلمة بن كُهيل الآتية بلفظ: "ثم قام إلى القربة، فأطلق شِنَاقها، ثمّ صَبّ في الْجَفْنَة، أو القَصْعة، فأكبّه بيده عليها، ثم توضّأ وضوءًا حسنًا بين الوضوءين"، ووقع عند الطبرانيّ من طريق منصور بن المعتمر، عن عليّ بن عبد اللَّه بن عباس، عن أبيه، في هذه القصة: "وإلى جانبه مِخْضَبٌ من بِرَامٍ مُطْبَقٍ، عليه سواك، فاستَنّ به، ثم توضأ".
(ثُمَّ قَامَ، فَصَلَّى) أي: شرع في الصلاة، وفي رواية محمد بن نصر في "قيام الليل": "ثم أخذ بُرْدًا له حَضْرميًّا، فتوشحه، ثم دخل البيت، فقام يصلي" (فَقُمْتُ) أي: من مضجعي (فَتَمَطَّيْتُ) أي: تمدّدت (كَرَاهِيَةَ) منصوب على المفعوليّة من أجله؛ أي: لأجل كراهية (أَنْ يَرَى أَنِّي كُنْتُ أَنْتَبِهُ لَهُ) قال النوويُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هكذا ضبطناه، وهكذا هو في أصول بلادنا "أنتبه" بنون، ثم مثنّاة فوقُ، ثم موحّدة، ووقع في رواية للبخاريّ: "أبقيه" بموحّدة، ثم قاف، ومعناه: أرقُبُهُ، وهو معنى: "أنتبه له". انتهى. وكأنه خَشِيَ أن يترك بعض