قال الجامع عفا اللَّه عنه: ظاهر تصرّف ابن كثير -رَحِمَهُ اللَّهُ- يدلّ على أنه يرى ترجيح القول بأن المراد بالقصر في الآية المذكورة قصر كيفية الصلاة، وهو صفة صلاة الخوف، لا قصر كميّتها، وهو صفة صلاة السفر، وقد نقل تصحيح ابن جرير له، وأقرّه عليه، والذي يظهر لي أن الأرجح كون الآية شاملة للاثنتين؛ فأما قصر المسافر فحديث عمر -رضي اللَّه عنه- عنه المذكور في الباب نصّ فيه، حيث سأل النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عما أشكل عليه من معنى الآية، فقال له: "صدقة تصدّق اللَّه بها عليكم. . . " الحديث، فإن هذا هو قصر المسافر، وأما صلاة الخوف فسياق الآية اللاحقة ظاهر في ذلك.
وهذا هو الذي مال إليه أبو العبّاس القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- حيث قال: قوله: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا} الآية: يعني به القصر من عدد الركعات، والقصر بتغيير الهيئات، بدليل قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صدقةٌ تصدّق اللَّه بها عليكم" عندما سُئل عن قصرها مع الأمن، فكان قوله ذلك تيسيرًا وتوقيفًا على أن الآية متضمّنة لقصر الصلاة مع الخوف، ومع غير الخوف، فالقصر مع الخوف هو في الهيئات على ما يأتي، ومع الأمن في الركعات، والمتصدَّق به إنما إلغاء شرط الخوف في قصر عدد الركعات مع الأمن، وعلى هذا فيبقى اعتبار الخوف في قصر الهيئات على ما يأتي.
وقد أكثر الناس في هذه الآية، وما ذكرناه أولى وأحسن؛ لأنه جمع بين الآية والحديث. انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وهو تحقيقٌ حسنٌ.
والحاصل أن الآية شاملة لقصر الكميّة، والكيفيّة، والصدقة التي تصدّق اللَّه بها علينا هي إلغاء شرط الخوف في قصر الكميّة، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث عمر -رضي اللَّه عنه- هذا من أفراد المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [1/ 1573 و 1574] (686)، و (أبو داود) في