بالقصر ها هنا قصر الكمية؛ لأن ما هو الأصل لا يقال فيه: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101].

وأصرح من ذلك دلالةً على هذا ما رواه الإمام أحمد في "مسنده" من طريق زُبيد الياميّ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: "صلاة السفر ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان، تمامٌ غيرُ قصر على لسان محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-"، وهكذا رواه النسائيّ، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، من طُرُق عن زُبيد اليامي به، وهذا إسناد على شرط مسلم، وقد حَكَم مسلم في "مقدمة كتابه" بسماع ابن أبي ليلى عن عمر -رضي اللَّه عنه-، وقد جاء مُصَرَّحًا به في هذا الحديث وفي غيره، وهو الصواب -إن شاء اللَّه- وإن كان يحيى بن معين، وأبو حاتم، والنسائيّ قد قالوا: إنه لم يسمع منه.

وقد روى مسلم في "صحيحه"، وأبو داود، والنسائيّ، وابن ماجه، من حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: "فرض اللَّه الصلاة على لسان نبيكم محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة"، فهذا ثابت عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، ولا ينافي ما تقدم عن عائشة -رضي اللَّه عنها-؛ لأنها أخبرت أن أصل الصلاة ركعتان، ولكن زيد في صلاة الحضر، فلما استقرّ ذلك صحّ أن يقال: إن فرض صلاة الحضر أربع، كما قاله ابن عباس، واللَّه أعلم.

لكن اتَّفَقَ حديث ابن عباس وعائشة على أن صلاة السفر ركعتان، وأنها تامة غير مقصورة، كما هو مصرَّحٌ به في حديث عمر -رضي اللَّه عنه-.

وإذا كان كذلك فيكون المراد بقوله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 11]، قصر الكيفية كما في صلاة الخوف ولهذا قال: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية [النساء: 101]، ولهذا قال بعدها: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} الآية [النساء: 102]، فبيّن المقصود من القصر ها هنا وذكر صفته وكيفيته، ولهذا لَمّا عقد البخاري كتاب صلاة الخوف صدّره بقوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء: 102].

وهكذا قال جويبر، عن الضحاك في قوله: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015