حتى حانت الصلاة، فليقصُر، وكذلك إذا دخل القرية راجعًا من سفره، ثم حانت الصلاة، فليقصُرها حتى يدخل بيته.

قال: وقد روينا عن مجاهد قولًا ثالثًا، لا أعلم أحدًا قال به، روينا عنه أنه قال: إذا خرجت مسافرًا، فلا تقصُر الصلاة يومك حتى الليل، وإن رجعت، أو خرجت ليلًا طويلًا، فلا تقصر الصلاة حتى تُصبح.

قال ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يلزم المقيم ما دام مقيمًا إتمام الصلاة، فإذا عزم على السفر، وخرج من منزله، ولم يبرُز عن قريته، واختلفوا في أمره، فعليه الإتمام على أصل ما كان عليه حتى يبرُز عن بيوت القرية، فإذا برز عنها قصر إذا كان سفره يقصر في مثله الصلاة؛ إذ لا أعلم أحدًا يمنعه من ذلك، ولا نعلم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قصر في شيء من أسفاره إلا بعد خروجه عن المدينة، فأما ما رُوي عن مجاهد، فقد تُكُلّم في إسناده، والسنّة تدلّ على خلافه، صلّى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بذي الْحُليفة ركعتين، وليس بينها وبين المدينة يوم، ولا نصف يوم. انتهى كلام ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ- (?).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي قاله ابن المنذر تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا.

والحاصل أن من أراد سفرًا، فخرج من بيوت القرية قصر، سواء كان قريبًا أم بعيدًا، وإلا فلا يقصر؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما قصر إلا بعد خروجه من المدينة، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثامنة): في اختلاف أهل العلم في حدّ الإقامة التي يجب على المسافر إتمام الصلاة بها:

قال الإمام ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: اختلفوا في القدر الذي يجب على المسافر إذا أقام ذلك المقدار إتمام الصلاة:

فقالت طائفة: إذا أجمع على إقامة خمس عشرة أتمّ الصلاةَ، وروينا هذا القول عن ابن عمر، وبه قال سفيان الثوريّ، وأصحاب الرأي.

وقالت طائفة: إذا أزمع إقامة اثنتي عشرة أتمّ الصلاة، هذا قول عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب، آخر أقواله، كما ذكره نافع، وبنحوه قال الأوزاعي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015