قال: إذا خرج من بيوت القرية قَصَرَ، ومَن راعى دليل الفعل أعني فعله -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لا يقصر إلا إذا خرج من بيوت القرية بثلاثة أميال؛ لِمَا صَحَّ من حديث أنس -رضي اللَّه عنه- قال: كان النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال، أو ثلاثة فراسخ -شعبة الشاكُّ- صلى ركعتين، رواه مسلم. انتهى (?).
وقال الإمام أبو بكر بن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قد أجمع كلُّ من نَحْفظ عنه من أهل العلم على أن للذي يريد السفر أن يقصر الصلاة إذا خرج عن جميع بيوت القرية التي منها يخرج، واختلفوا في تقصير الصلاة قبل الخروج عن البيوت، فقال كثير من أهل العلم: لا يقصر الصلاة حتى يخرُج من بيوت القرية، رَوَينا حديثًا فيه أنهم خرجوا مع عليّ بن أبي طالب، قال الراوي: فقصرنا الصلاة، ونحن نرى البيوت، ثم رجعنا، فقصرنا، ونحن نرى البيوت، وروينا عنه أنه خرج من البصرة، فرأى خُصًّا، فقال: لولا هذا الخصّ (?) لقصرنا، وكان ابن عمر يقصُرُ الصلاة، وهو ينظر إلى المدينة.
قال: وروينا عن علقمة، وعمرو بن ميمون، وأبي فاختة (?) أنهم قصروا حين خرجوا من البيوت، وبه قال النخعيّ، وقال قتادة: إذا جاوز الجِسر، أو الخندق يصلي ركعتين، وممن قال: إنه يقصر إذا خرج من بيوت القرية: مالكٌ، والأوزاعيّ، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
وفيه قولٌ ثالثٌ، روينا عن الحارث بن أبي ربيعة أنه أراد سفرًا، فصلّى بهم ركعتين في منزله، وفيهم الأسود بن يزيد، وغير واحد من أصحاب عبد اللَّه، وقال عطاء بن أبي رباح: إذا خرج الرجل حاجًّا، فلم يخرج من بيوت القرية حتى حضرت الصلاة، فإن شاء قصر، وإن شاء أوفى، وقال سليمان بن موسى: إذا خرج الرجل من بيته ذاهبًا لوجهه، فلم يخرج من القرية