قال مالك في أشهر الروايات عنه، وبالرابع أعني أنه رخصة، قال الشافعي في أشهر الروايات عنه، وهو المنصور عند أصحابه.

والسبب في اختلافهم معارضة المعنى المعقول لصيغة اللفظ المنقول، ومعارضة دليل الفعل أيضًا للمعنى المعقول، ولصيغة اللفظ المنقول، وذلك أن المفهوم من قصر الصلاة للمسافر، إنما هو الرخصة لموضع المشقة، كما رُخِّص له في الفطر، وفي أشياء كثيرة، ويؤيد هذا حديث يعلى بن أمية -رضي اللَّه عنه-، قال: قلت لعمر: "إنما قال اللَّه: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101]، يريد في قصر الصلاة في السفر، فقال عمر -رضي اللَّه عنه-: عَجِبت مما عجبت منه، فسألت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عما سألتني عنه؟ فقال: صدقة تصدق اللَّه بها عليكم، فاقبلوا صدقته"، رواه مسلم، فمفهوم هذا الرخصة، وحديث أبي قلابة، عن أنس بن مالك الكعبيّ -رضي اللَّه عنه-، أنه أتى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال له النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اللَّه وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة"، رواه النسائيّ، وهو حديث صحيح.

وهذا كلّه يدلّ على التخفيف والرخصة ورفع الحرج، لا أن القصر هو الواجب، ولا أنه سنة.

وأما الأثر الذي يعارض بصيغته المعنى المعقول، ومفهوم هذه الآثار، فحديث عائشة -رضي اللَّه عنها- الثابت باتفاق، قالت: "فُرِضت الصلاةُ ركعتين ركعتين، فأُقِرّت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر".

وأما دليل الفعل الذي يعارض المعنى المعقول، ومفهوم الأثر المنقول، فإنه ما نُقِل عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- من قصر الصلاة في كل أسفاره، وأنه لم يصحّ عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه أتمّ الصلاة قطّ.

فمن ذهب إلى أنه سنة، أو واجب مخيَّرٌ، فإنما حمله على ذلك أنه لم يصحّ عنده أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أتم الصلاة، وما هذا شأنه فقد يجب أن يكون أحد الوجهين، أعني إما واجبًا مخيرًا، وإما أن يكون سنة، وإما أن يكون فرضًا معينًا، لكن كونه فرضًا معينًا يعارضه المعنى المعقول، وكونه رخصةً يعارضه اللفظ المنقول، فوجب أن يكون واجبًا مخيرًا، أو سنةً، وكان هذا نوعًا من طريق الجمع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015