يزول عنه هذا الاسم بالكلية، لا يُنظر في ذلك إلى وجود الحرج، ولا إلى عدم القدرة على الإتمام؛ لأنه وظيفة مَنْ هذا شأنه ابتداءً، وهو قول ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: "سنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلاة السفر ركعتين، وهما تمامٌ غير قصرٍ".

(واعلم): أن السفر، والإقامة، والزنا، والسرقة، وسائر ما أدار الشارع عليه الحكمَ، أمورٌ يستعملها أهل العرف في مظانّها، ويعرفون معانيها، ولا يُنال حَدّه الجامع المانع إلا بضرب من الاجتهاد والتأمل، ومن المهمّ معرفة طريق الاجتهاد، فنحن نعلم نموذجًا منها في السفر، فنقول: هو معلوم بالقسمة والمثال، يَعلَم جميع أهل اللسان أن الخروج من مكة إلى المدينة، ومن المدينة إلى خيبر سفر لا محالة، وقد ظهر من فعل الصحابة -رضي اللَّه عنهم- وكلامهم أن الخروج من مكة إلى جُدّة وإلى الطائف وإلى عسفان وسائر ما يكون المقصد فيه على أربعة بُرُدٍ سفرٌ، ويعلمون أيضًا أن الخروج من الوطن على أقسام: تردّدٌ إلى المزارع والبساتين، وهَيَمَان بدون تعيين مقصد سفر، ويعلمون أن اسم أحد هذه لا يطلق على الآخر.

وسبيل الاجتهاد أن يستقرئ الأمثلة التي يُطلق عليها الاسم عرفًا وشرعًا، وأن يُسْبَر الأوصاف التي بها يفارق أحدها قَسِيمهُ، فيجعل أعمّها في موضع الجنس، وأخصها في موضع الفصل.

فعلمنا أن الانتقال من الوطن جزء نفسيّ؛ إذ من كان ثاويًا في محل إقامته، لا يقال له مسافرٌ، وأن الانتقال إلى موضع معيّن جزء نفسيّ، وإلا كان هَيَمَانًا لا سفرًا، وأن كون ذلك الموضع بحيث لا يمكن له الرجوع منه إلى محل إقامته في يومه وأوائل ليلته جزء نفسيّ، وإلا كان مثل التردد إلى البساتين والمزارع، ومن لازمه (?) أن يكون مسيرة يوم تام -وبه قال سالم- لكن مسير أربعة بُرُد متيقنٌ، وما دونه مشكوكٌ، وصحة هذا الاسم يكون بالخروج من سُور البلد، أو حلة القرية أو بيوتها بقصد موضع، هو على أربعة بُرُدٍ، وزوال هذا الاسم إنما يكون بنيّة الإقامة مُدّة صالحة، يُعْتَدّ بها في بلدةٍ أو قريةٍ.

ومنها (?) الجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، والأصل فيه ما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015