يضر به جاز معها الفطر، والصلاة قاعدًا، أو على جنب، وذلك نظير قصر العدد، وإن كانت مشقةَ تَعَب، فمصالح الدنيا والآخرة منوطة بالتعب، ولا راحة لمن لا تعب له، بل على قدر التعب تكون الراحة، فتناسبت الشريعة في أحكامها ومصالحها -بحمد اللَّه، ومَنِّهِ-. انتهى كلام ابن القيّم -رَحِمَهُ اللَّهُ- (?)، وهو بحثٌ قيّمٌ جدًّا.

وقال الشيخ وليّ اللَّه الدهلويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: لَمّا كان من تمام التشريع أن يبين لهم الرُّخَص عند الأعذار؛ ليأتي المكلفون من الطاعة بما يستطيعون، ويكون قدر ذلك مُفَوَّضًا إلى الشارع؛ ليراعي فيه التوسط، لا إليهم، فيُفْرِطُوا أو يُفَرِّطوا، اعتنى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بضبط الرُّخَص والأعذار، ومن أصول الرُّخَص أن ينظر إلى أصل الطاعة، حسبما تأمر به حكمة الْبِرّ، فيُعَضّ عليها بالنواجذ على كل حال، ويُنظَر إلى حدود وضوابط شرعها الشارع؛ ليتيسر لهم الأخذ بالبرّ، فيصرف فيها إسقاطًا وإبدالًا حسبما تؤدي إليه الضرورة.

فمن الأعذار السفر، وفيه من الحرج ما لا يحتاج إلى بيان، فشَرَع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- له رُخَصًا منها القصر، فأبقى أصل أعداد الركعات، وهي إحدى عشرة ركعة، وأسقط ما زيد بشرط الطمأنينة والحضر، ولما كان هذا العدد فيه شائبة العزيمة، لم يكن من حقه أن يُقَدَّر بقدر الضرورة، ويضيّق في ترخيصه كل التضييق، فلذلك بَيَّن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن شرط الخوف في الآية لبيان الفائدة، ولا مفهوم له، فقال: "صدقة تصدق اللَّه بها عليكم، فاقبلوا صدقته"، والصدقة لا يُضَيِّق فيها أهل المروءات، ولذلك أيضًا واظب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على القصر، وإن جوّز الإتمام في الجملة، فهو سنة مؤكدة.

ولا اختلاف بين ما رُوي من جواز الإتمام، وأن الركعتين في السفر تمامٌ غيرُ قصر؛ لأنه يمكن أن يكون الواجب الأصليّ هو ركعتين، ومع ذلك يكون الإتمام مجزئًا بالأولى -كالمريض والعبد- يصليان الجمعة، فيسقط عنهم الظهر، أو كالذي وجب عليه بنت مخاض، فتصدق بالكلّ، ولذلك كان من حقه أنه إذا صحّ على المكلف إطلاق اسم المسافر، جاز له القصر إلى أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015