يُوَضِّح ما ينوب فيه، وَيكشفه، وسَفَرت المرأةُ سُفُورًا: كَشَفَت وجهها، فهي سافرٌ بغير هاء، وأسفر الصبحُ إسفارًا: أضاء، وأسفر الوجه من ذلك: إذا علاه جمالٌ، وأسفر الرجل بالصلاة: صلّاها في الإسفار، والسُّفْرَة: طعامٌ يُصْنَع للمسافر، والجمع سُفَرٌ، مثلْ غُرْفة وغُرَف، وسميت الجلدة التي يُوعَى فيها الطعامُ: سُفْرَةً مجازًا. انتهى كلام الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (?)، وهو بحثٌ مفيدٌ.
وقال في "المرعاة": السّفر لغةً: قطع المسافة، وليس كلُّ قطع تتغيّر به الأحكام، من جواز الإفطار، وقصر الرباعيّة، وغيرهما، فاختلف العلماء فيه شرعًا كما ستعرفه، قال ابن رُشد في "البداية": السفر له تأثيرٌ في القصر باتّفاق، فقد اتّفق العلماء على جواز قصر الصلاة للمسافر، إلا قول شاذّ أن القصر لا يجوز إلا للخائف؛ لقوله تعالى: {إِنْ خِفْتُمْ} الآية [النساء: 101]. انتهى (?)، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثانية): في بيان حِكْمَة القصر في السفر:
قال العلّامة ابن القيّم -رَحِمَهُ اللَّهُ-: لا ريب أن الفطر والقصر يَختص بالمسافر، ولا يفطر المقيم إلا لمرض، وهذا من كمال حكمة الشارع، فإن السفر في نفسه قطعةٌ من العذاب، وهو في نفسه مشقة وجَهْدٌ، ولو كان المسافر من أرفه الناس، فإنه في مشقة وجهد بحسبه، فكان من رحمة اللَّه بعباده وبرّه بهم، أن خَفَّف عنهم شطر الصلاة، واكتفى منهم بالشطر، وخَفّف عنهم أداء فرض الصوم في السفر، واكتفى منهم بأدائه في الحضر، كما شَرَع مثل ذلك في حق المريض والحائض، فلم يفوت عليهم مصلحة العبادة بإسقاطها في السفر جملةً، ولم يُلزمهم بها في السفر كإلزامهم في الحضر، وأما الإقامة فلا موجب لإسقاط بعض الواجب فيها، ولا تأخيره، وما يَعْرِض فيها من المشقة والشغل، فأمر لا يَنْضَبِط ولا ينحصر، فلو جاز لكل مشغول، وكل مشقوق عليه الترخص ضاع الواجب، واضمَحَلّ بالكلية، وإن جوّز للبعض دون البعض لم يَنضبط، فإنه لا وصف يضبط ما تجوز معه الرخصة وما لا تجوز، بخلاف السفر، على أن المشقة قد عُلِّق بها من التخفيف ما يناسبها، فإن كانت مشقة مرض وألم