وقوله: (فَكَبَّرَ، وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ) في استعماله التكبير سلوك طريق الأدب، والجمع بين المصلحتين، وخَصَّ التكبير؛ لأنه أصل الدعاء إلى الصلاة.
وقوله: (لَا ضَيْرَ، ارْتَحِلُوا) أي لا ضرر عليكم في هذا النوم، وتأخير الصلاة به، و"الضَّيْرُ"، و"الضُّرّ"، و"الضَّرَرُ" بمعنى واحد، يقال: ضارهُ يضوره، ويضيره ضَوْرًا وضَيْرًا: أي ضَرّه.
وإنما قال ذلك لتأنيس قلوبهم؛ لما عَرَض لهم من الأسف على فوات الصلاة من وقتها؛ لأنهم لم يتعمدوا ذلك.
وقوله: (وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ) الضمير لعوف أيضًا.
[تنبيه]: رواية عوف الأعرابيّ، عن أبي رجاء هذا ساقها الإمام البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، فقال:
(344) حدّثنا مسدد، قال: حدّثني يحيى بن سعيد، قال: حدّثنا عوفٌ، قال: حدّثنا أبو رجاء، عن عمران، قال: كنا في سفر مع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإنا أسرينا، حتى كنا في آخر الليل، وقعنا وقعةً، ولا وقعةَ أحلى عند المسافر منها، فما أيقظنا إلا حرّ الشمس، وكان أولَ من استيقظ فلانٌ، ثم فلانٌ، ثم فلانٌ، يسميهم أبو رجاء، فنسي عوفٌ، ثم عمر بن الخطاب الرابع، وكان النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا نام لم يوقَظْ حتى يكون هو يستيقظ؛ لأنا لا ندري ما يَحْدُث له في نومه، فلما أستيقظ عمر، ورأى ما أصاب الناس، وكان رجلًا جَلِيدًا، فكبّر، ورفع صوته بالتكبير، فما زال يكبّر، ويرفع صوته بالتكبير، حتى استيقظ بصوته النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما استيقظ، شَكَوْا إليه الذي أصابهم، قال: "لا ضير"، أو "لا يَضِير، ارتحلوا"، فارتحل، فسار غير بعيد، ثم نزل، فدعا بالوَضُوء، فتوضأ، ونودي بى الصلاة، فصلى بالناس، فلما انفتل من صلاته، إذا هو برجل معتزلٍ، لم يصلِّ مع القوم، قال: "ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟ "، قال: أصابتني جنابة، ولا ماءَ، قال: "عليك بالصعيد، فإنه يكفيك"، ثم سار النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فاشتكى إليه الناس من العطش، فنزل، فدعا فلانًا، كان يسميه أبو رجاء، نسيه عوفٌ، ودعا عليًّا، فقال: "اذهبا، فابتغيا الماء"، فانطلقا، فتلقيا امرأة بين مَزَادتين، أو سَطِيحتين، من ماء، على بعير لها، فقالا لها: أين الماء؟ قالت: عهدي بالماء أمس هذه الساعة، ونَفَرُنا خُلُوفًا، قالا لها: انطلقي