إذًا، قالت: إلى أين؟ قالا: إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قالت: الذي يقال له: الصابئ، قالا: هو الذي تعنين، فانطلقي، فجاءا بها إلى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وحدّثاه الحديث، قال: فاستَنْزَلُوها عن بعيرها، ودعا النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بإناء، ففرَّغَ فيه من أفواه المزادتين، أو السطيحتين، وأوكأ أفواههما، وأطلق الْعَزَالِيَ، ونودي في الناس: اسقوا، واستقوا، فسقى من شاء، واستقى من شاء، وكان آخر ذاك أن أَعْطَى الذي أصابته الجنابة إناءً من ماء، قال: "اذهب، فأفرغه عليك"، وهي قائمةٌ، تنظر إلى ما يفعل بمائها، وايْمُ اللَّهِ، لقد أُقْلِع عنها، وإنه لَيُخَيَّلُ إلينا أنها أشدّ مِلأةً منها حين ابتدَأَ فيها، فقال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اجمعوا لها"، فجمعوا لها من بين عَجْوة، ودقيقة، وسويقة، حتى جمعوا لها طعامًا، فجعلوها في ثوب، وحملوها على بعيرها، ووضعوا الثوب بين يديها، قال لها: "تَعَلَّمِين ما رَزِئْنَا من مائك شيئًا، ولكن اللَّه هو الذي أسقانا"، فأتت أهلها، وقد احتَبَسَت عنهم، قالوا: ما حبسك يا فلانةُ؟ قالت: العَجَبُ، لقيني رجلان، فذهبا بي إلى هذا الذي يقال له: الصابئ، ففعل كذا وكذا، فواللَّه إنه لأسحر الناس من بين هذه وهذه، وقالت بإصبعيها الوسطى والسبابة، فرفعتهما إلى السماء، تعني السماء والأرض، أو إنه لرسول اللَّه حقًّا، فكان المسلمون بعد ذلك يُغِيرون على مَن حولها من المشركين، ولا يُصيبون الصِّرْمَ الذي هي منه، فقالت يومًا لقومها: ما أَرَى أن هؤلاء القوم يَدَعُونكم عمدًا، فهل لكم في الإسلام؟ فأطاعوها، فدخلوا في الإسلام. انتهى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج -رَحِمَهُ اللَّهُ- المذكور أولَ الكتاب قال:
[1565] (683) - (حَدَّثَنَا (?) إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ، فَعَرَّسَ بِلَيْلٍ، اضْطَجَعَ عَلَى يَمِينِهِ، وَإِذَا عَرَّسَ قُبَيْلَ الصُّبْحِ، نَصَبَ ذِرَاعَهُ، وَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى كَفِّهِ).