(ثُمَّ قَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- تطييبًا لخاطرها، وشفقةً عليها، ورأفة بها، حيث ذكرت له أنها مؤتمة ("هَاتُوا) أي أحضروا (مَا) موصولة، أي الذي (كَانَ عِنْدَكُمْ") أي من الطعام (فَجَمَعْنَا لَهَا مِنْ كِسَرٍ) بكسر، ففتح: جمع كِسْرَة، قال الفيّوميّ: الكسرة: القِطعة من الشيء المكسور، ومنه الْكِسْرةُ من الخبز، والجمع: كِسَر، مثلُ سِدْرَة وسِدَر. انتهى (?). (وَتَمْرٍ، وَصَرَّ لَهَا) أي شدّ ما جمعه لأجلها، يقال: صَرَّ الشيءَ يَصُرُّه صَرًّا، من باب نصر: إذا شدّه، وقوله: (صُرَّةً) بضمّ الصاد المهملة، وتشديد الراء، قال في "القاموس": "الصُّرَّة" بالضمّ: شَرْجُ الدراهم ونحوها (?)، وقال أيضًا: "الشَّرْجُ": شدُّ الْخَرِيطة، كالإشراج، والتشريج. انتهى (?).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: فعلى هذا يكون "صُرّةً" منصوبًا على أنه مفعول مطلقٌ، أي شدّ لها شَدًّا، وأما إذا أريد بالصُّرّة صُرّة الدراهم المعروفة، فيكون مفعولًا به لـ "صرّ"، أي شدّ لها وِعَاءً، يعني أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- ربط ما جُمع من الكِسَرِ والتمر في وعاءً، واللَّه تعالى أعلم.
وفي رواية البخاريّ: "فقال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اجمعوا لها"، فجمعوا لها من بين عَجْوة، ودقيقة، وسَوِيقة، حتى جمعوا لها طعامًا، فجعلوها في ثوب، وحملوها على بعيرها، ووضعوا الثوب بين يديها.
وفيه جواز الأخذ للمحتاج برضا المطلوب منه، أو بغير رضاه إن تعيّن، وفيه جواز المعاطاة في مثل هذا من الهبات، والإباحات، من غير لفظ من المعطي والآخذ، قاله في "الفتح".
(فَقَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- لَهَا: ("اذْهَبِي) إلى أهلك (فَأَطْعِمِي هَذَا عِيَالَكِ) بكسر العين المهملة، وتخفيف الياء بوزن كِتاب: من تتكفّل بهم، جمعه عالَةٌ، قاله في "القاموس" (?)، وقال الصاغانيّ في "التكملة": العيال: جمع عَيِّل، كجِيَاد جمع جيِّد، وهو من يلزم الإنفاق عليه، ويكون اسمًا للواحد، كما استعمله الحريريّ في "مقاماته"، وذكره المطَرِّزيّ في "شرحه"، ذكره نصر الهورينيّ (?).