واستُدِل بهذه القصة على تقديم مصلحة شرب الآدمي والحيوان على غيره، كمصلحة الطهارة بالماء؛ لتأخير المحتاج إليها عَمّن سَقَى واستَقَى، ولا ينافي هذا قوله في رواية مسلم هنا: "غير أنا لم نُسق بعيرًا"؛ لأنا نقول: هو محمول على أن الإبل لم تكن محتاجةً إذ ذاك إلى السقي، فَيُحْمَل قوله في رواية البخاريّ: "فسقى" على غيرها، أفاده في "الفتح" (?).

(غَيْرَ أَنَّا لَمْ نُسْقِ بَعِيرًا) "غير" منصوب على الاستثناء، و"أنّا" أصلها أنّنا، خُفّفت بحذف النون الثانية من "أَنّ"، ثم أدغمت في نون الضمير، و"نُسْقِ" بفتح النون، من سقى ثلاثيًّا، وضمّها، من أسقى رباعيًّا، وقد تقدّم قريبًا.

و"البِعِيرُ -بفتح الموحّدة، وقد تُكسر-: مثل الإنسان يقع على الذكر والأنثى، يقال: حَلَبتُ بعيري، والجملُ بمنزلة الرجل يَختصّ بالذكر، والناقة بمنزلة المرأة تختصّ بالأنثى (?)، وقد تقدّم تمام البحث في هذا في أبواب التيمّم، وباللَّه تعالى التوفيق.

(وَهِيَ) أي المزادتان (تَكَادُ تَنْضَرِجُ) أي تَنْشَقُّ، وهو بفتح التاء، وإسكان النون، وفتح الضاد المعجمة، وبالجيم، ورُوِيَ "تَتَضَرَّجُ" بتاء أخرى بدل النون، وهو بمعناه، والأول هو المشهور (?).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "تنضرج من الماء" كذا عند ابن ماهان بتاءين، وبـ "مِنْ"، وعند الجماعة: "تنضرج بالماء"، وهما بمعنى واحد، أي تُقارب أن تنشقّ من الامتلاء. انتهى (?).

(مِنَ الْمَاءِ) متعلّقٌ بـ "تنضرج"، وقوله: (يَعْنِي الْمَزَادَتَيْنِ) أي يقصد بقوله: "وهي تكاد. . . إلخ"، ولعلّ إفراد الضمير باعتبار أنه جمع، عند من يقول: إن أقلّ الجمع اثنان، وهو الأرجح عندي، كما بيّنته في "التحفة المرضيّة" في الأصول، واللَّه تعالى أعلم.

وفي رواية البخاريّ: "وهي قائمة، تنظر ما يفعل بمائها، وايْمُ اللَّه لقد أُقلع عنها، وإنه لَيُخَيَّل إلينا أنها أشدّ مِلأَةً منها حين ابتدأ فيها".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015