القصتين، فحدَّث بإحداهما، وصَدَّق عبد اللَّه بن رباح لَمّا حدث عن أبي قتادة بالأخرى، واللَّه تعالى أعلم.
ومما يدُلّ على تعدد القصة اختلاف مواطنها كما قدمناه، وحاول ابن عبد البر الجمع بينهما بأن زمان رجوعهم من خيبر قريبٌ من زمان رجوعهم من الحديبية، وأن اسم طريق مكة يصدُقُ عليهما، ولا يخفى ما فيه من التكلُّف، ورواية عبد الرزاق بتعيين غزوة تبوك ترُدّ عليه.
ورَوَى الطبراني من حديث عمرو بن أمية شبيهًا بقصة عمران، وفيه أن الذي كلأ لهم الفجر ذو مِخْبَرٍ -وهو بكسر الميم، وسكون الخاء المعجمة، وفتح الموحدة- وأخرجه من طريق ذي مِخَبرٍ أيضًا، وأصله عند أبي داود.
وفي حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عند مسلم إن بلالًا هو الذي كلأ لهم الفجر، وذكر فيه أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان أولهم استيقاظًا، كما في قصة أبي قتادة، ولابن حبان في "صحيحه" من حديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أنه كلأ لهم الفجر، وهذا أيضًا يدلّ على تعدّد القصة. انتهى (?).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد تبيّن بما سبق أن الأرجح في وجه الجمع بين الروايات هو الحمل على تعدّد الواقعة، فتأمّل، واللَّه تعالى أعلم بالصواب.
(فَأَدْلَجْنَا لَيْلَتَنَا) أي سرينا ليلتنا، يقال: أدلج -بقطع الهمزة، وسكون الدال- يُدلِج إدلاجًا، كأكرم يُكرم إكرامًا: إذا سار الليل كلّه، و"ادّلَج" -بوصل الهمزة، وتشديد الدال- يَدّلِج ادِّلَاجًا، من باب الافتعال: إذا سار من آخره، وهذا هو الأشهر في اللغة، وقيل: هما بمعنى واحد.
(حَتَّى إِذَا كَانَ فِي وَجْهِ الصُّبْحِ) اسم "كان" ضمير يعود إلى الوقت المفهوم من المقام، وخبرها الجارّ والمجرور، و"الوَجْه" -بفتح الواو، وسكون الجيم-: مُسْتَقبَلُ كلِّ شيء، والْوِجهة بكسر الواو قيل: مثلُ الوجه، وقيل: كلُّ مكان استقبلته, وتُحذف الواو منه، فيقال: جِهَةٌ، مثلُ عِدَةٍ، أفاده في "المصباح" (?).