(فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَحْسِنُوا الْمَلَأَ) قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "الْمَلَأُ" -بفتح الميم واللام، وآخره همزة- وهو منصوبٌ مفعولُ "أَحْسِنُوا"، و"الملأ": الْخُلُق والْعِشْرة، يقال: ما أحسن مَلَأَ فلان: أي خُلُقه وعشرته، وما أحسن ملأ بني فلان: أي عشرتهم وأخلاقهم، ذكره الجوهريّ وغيره. انتهى.
وقال القرطبي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "الملأ" بفتح الميم واللام، وبالهمزة: أي الخُلُق، قاله جماعة من اللغويين: أبو زيد، والمفضّل، والزجّاج، وابن السكّيت، وابن قُتيبة، وأنشد بعضهم:
تَنَادَوْا يَا لَبُهْثَةَ إِذْ رَأَتْنَا ... فَقُلْنَا أَحْسِنِي مَلأَ جُهَيْنَا
أي خُلُقًا، ورَوَى ابن قُتيبة أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لأصحابه حين زجروا الأعرابيّ البائل في المسجد: "أحسنوا ملأكم"، أي خُلُقكم، ومن روى هذا الحرف "ملأكم" ساكنة اللام مهموزةً، من معنى الامتلاء، فقد أخطأ؛ لأنه لم يملأ أحدٌ في هذه النازلة قِرْبةً، ولا وِعاءً، وإنما كان شُربًا. انتهى (?).
(كُلُّكُمْ سَيَرْوَى") بفتح الواو، مضارع رَوِيَ بكسرها، كرَضِي يرضَى (قَالَ) أبو قتادة (فَفَعَلُوا) أي ما أمرهم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من إحسان أخلاقهم، وعدم ازدحامهم (فَجَعَلَ) أي شرع (رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَصُبُّ، وَأَسْقِيهِمْ) بفتح الهمزة وضمّها، كما سبق آنفًا (حَتَّى مَا) نافية (بَقِيَ غَيْرِي وَغَيْرُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-) و"حتى" غاية لشربهم جميعًا، يعني أنهم شرِبوا كلُّهم غير النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبي قتادة -رضي اللَّه عنه- (قَالَ) أبو قتادة (ثُمَّ صَبَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَالَ لِي: "اشْرَبْ"، فَقُلْتُ: لَا أَشْرَبُ حَتَّى تَشْرَبَ يَا رَسُولَ اللَّهِ) أي تأدّبًا، وامتثالًا لقول اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1] الآية (قَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- ("إِنَّ) بكسر الهمزة (سَاقِيَ الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا") منصوب على التمييز (قَالَ) أبو قتادة (فَشَرِبْتُ، وَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-) أي آخر الناس، وفيه أن هذا الأدب من آداب شاربي الماء واللبن، ونحوهما، وفي معناه ما يُفَرَّق على الجماعة من المأكول، كلحم، وفاكهة، ومشموم، وغير ذلك، قاله النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (قَالَ) أبو قتادة (فَأَتَى النَّاسُ الْمَاءَ) أي الماء الذي أخبرهم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حينما خطبهم في اليوم الأول