قال القرطبيّ: وهذا كلّه يُعارضه ما ذكره أبو بكر بن أبي شيبة من حديث الحسن، عن عمران بن حصين في هذه القصّة أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمّا صلّى بهم المقضيّة قالوا: ألا نقضيها لوقتها من الغد؟ فقال: "لا ينهاكم اللَّه عن الربا، ويأخذه منكم" (?).

والصحيح ترك العمل بذلك الظاهر لهذه المعارضة، ولمَا حَكَى الخطّابيّ، ولأن الطُّرُق الصحاح المشهورة ليس فيها من تلك الزيادة شيء إلا ما في حديث أبي قتادة، وهو مُحْتَمِلٌ كما قرّرناه، واللَّه تعالى أعلم. انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (?).

(ثُمَّ قَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- ("مَا تَرَوْنَ النَّاسَ صَنَعُوا؟ ") "ما" استفهاميّة، مفعول مقدّم وجوبًا لـ "صنعوا"؛ لكونه استفهامًا، ويَحْتَمل أن يكون مبتدأ بتقدير العائد، أي ما تظنّون الناس أيّ شيء صانعين حين يُصبحون، فلا يجدون نبيّهم بينهم؟ .

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: معنى هذا الكلام أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمّا صلى بهم الصبح بعد ارتفاع الشمس، وقد سبقهم الناس، وانقطع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهؤلاء الطائفة اليسيرة عنهم، قال: ما تظنون الناس يقولون فينا؟ ، فسكت القوم، فقال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: أما أبو بكر وعمر فيقولان للناس: إن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وراءكم، ولا تطيب نفسه أن يُخَلِّفكم وراءه، ويتقدم بين أيديكم، فينبغي لكم أن تنتظروه حتى يلحقكم، وقال باقي الناس: إنه سبقكم فالحقوه، فإن أطاعوا أبا بكر وعمر رَشَدُوا، فإنهما على الصواب. انتهى.

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "ثم قال: ما ترون الناس صنعوا؟ " هذا قول النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من كان معه مستفهمًا على جهة استحضار أفهامهم، ثم قال مخبرًا بما صنعوا، وبما قالوا إلى قوله: "وقال الناس: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بين أيديكم"، وهنا انتهى الخبر عنهم، ثم قال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فإن يطيعوا أبا بكر وعمر يُرشَدُوا"؛ لأنهما وافقا الحقّ فيما قالاه، فصوابه إذًا أن يكون: "يُطيعوا"، و"يرشدوا" بياء الغائبين، وقد قيل في بعض النسخ بتاء المخطابين، ووجهه أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كأنه أقبل على الغائبين، فخاطبهم، ويجري هذا مجرى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015