تَفْرِيطٌ) أي تقصيرٌ في فوت الصلاة؛ لانعدام الاختيار من النائم، قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فيه دليلٌ لما أَجْمع عليه العلماء أن النائم ليس بمكلَّف، وإنما يجب عليه قضاء الصلاة ونحوها بأمر جديد، هذا هو المذهب الصحيح المختار عند أصحاب الفقه والأصول، ومنهم من قال: يجب القضاء بالخطاب السابق، وهذا القائل يوافق على أنه في حال النوم غير مكلَّف.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: عندي أن هذا القول هو الراجح؛ لأن القول بأن الإيجاب بالأمر الجديد يَحتاج إلى دليل، فتبصّر.
قال: وأما إذا أتلف النائم بيده، أو غيرها من أعضائه شيئًا في حال نومه، فيجب ضمانه بالاتفاق، وليس ذلك تكليفًا للنائم؛ لأن غرامة المتلَفات لا يشترط لها التكليف بالإجماع، بل لو أتلف الصبيّ أو المجنون، أو الغافل وغيرهم، ممن لا تكليف عليه شيئًا وجب ضمانه بالاتفاق، ودليله من القرآن قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] الآية، فرتَّب -عَزَّ وَجَلَّ- على القتل خطأً الديةَ والكفارةَ مع أنه غير آثم بالاجماع. انتهى (?).
(إِنَّمَا التَّفْرِيطُ) أي إنما يكون إثم التفريط (عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ) أي من لم يؤدّها، وأخرجها عن وقتها مستيقظًا عامدًا لتركها، متهاونًا، ومتكاسلًا (حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى) قال القرطبي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وفيه دليلٌ على أن أوقات الصلوات كلّها موسَّعةٌ. انتهى (?).
وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: في الحديث دليلٌ على امتداد وقت كلِّ صلاة من الخمس حتى يدخل وقت الأخرى، وهذا مُسْتَمِرّ على عمومه في الصلوات، إلا الصبح فإنها لا تمتد إلى الظهر، بل يخرج وقتها بطلوع الشمس؛ لمفهوم قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس، فقد أدرك الصبح"، وأما المغرب ففيها خلاف سبق بيانه في بابه، والصحيح المختار امتداد وقتها إلى دخول وقت العشاء؛ للأحاديث الصحيحة السابقة في "صحيح مسلم"، وقد ذكرنا الجواب عن حديث إمامة جبريل -عَلَيْهِ السَّلَامُ- في اليومين في المغرب في وقت واحد.