"فدين اللَّه أحق أن يُقْضَى" باعتبار ما يقتضيه اسم الجنس المضاف من العموم، ولكنهم لم يرفعوا إليه رأسًا.

قال الجامع: لا ينقضي عجبي من مثل الشوكاني القائل بهذا الكلام! فأيَّ دليل يطلب بعد هذا النصّ العظيم؟ ! وعن أيِّ حجة يَبحث مع وضوح الحجة، واستنارة المَحَجَّة؟ ! فيا للعجب! إنه لم يستطع أن يرُدّ هذه الحجة النَّيِّرَة، بل تَحَيَّر، فإنه بعدما طوّل كلامه في الردّ على حجج القائلين بوجوب القضاء على العامد، قال: والمحتاج إلى إمعان النظر ما ذكرنا لك سابقًا من عموم حديث: "فدين اللَّه أحقّ أن يقضى"، ولا سيما على قول من قال: إن وجوب القضاء بدليل، هو الخطاب الأول الدالّ على وجوب الأداء، فليس عنده في وجوب القضاء على العامد فيما نحن بصدده تردّد؛ لأنه يقول: المتعمِّد للترك قد خوطب بالصلاة ووجب عليه تأديتها فصارت دينًا عليه، والدين لا يسقط إلا بأدائه.

وإذا عرفتَ هذا علمت أن المقام من المضائق. انتهى كلام الشوكانيّ (?).

قال الجامع: وأنا أقول: هذا مبلغ ما نَصَرَ به الشوكانيّ قولَ من يقول بعدم وجوب القضاء على العامد، حيث تحيّر في دفع حجة الموجبين؛ لقوّته ووضوحه، واعترف بأن المقام من المضائق، ونحن -بحمد اللَّه تعالى- لا نقع في المضائق، بل نقول بالأسهل الذي لا تضايُق معه، وهو وجوب القضاء.

ولقد أحسن العلامة الصنعانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في المسألة، وأجاد وأفاد، حيث قال في "حاشية إحكام الأحكام" ما نصُّهُ: وأقوى شيء عندي في الاستدلال من أوجب على العامد القضاء حديث: "فدينُ اللَّه أحقُّ أن يُقْضَى"؛ فإنه عامّ لكل دَين للَّه، ومعلوم أن التارك للصلاة هي دين في ذمته، وإلا لما عوقب عليها، ووجبت التوبة عن تركها بالاتفاق بين الفريقين، وكما أن دين الآدمي لا يُسقِطُهُ عن الذمة إلا قضاؤه، كذلك دين اللَّه، بل قد جعله النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أحق بالقضاء، وسواء قلنا: القضاء بأمر جديد، أو بالأمر الأول، إذ قد صارت ذمته مشغولة بها بالأمر الأول، وصارت بتركه أداءها في وقتها دينًا للَّه يعاقبه على عدم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015