من لطف اللَّه تعالى بعباده، وإكرامه لهم بأنْ جَعَل اجتماعَ ملائكته في حال طاعة عباده؛ لتكون شهادتهم لهم بأحسن الشهادة.
قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وفيه شيء؛ لأنه رجَّحَ أنهم الحفظة، ولا شك أن الذين يصعدون كانوا مقيمين عندهم مشاهدين لأعمالهم في جميع الأوقات، فالأولى أن يقال: الحكمة في كونه تعالى لا يسألهم إلا عن الحالة التي تركوهم عليها ما ذُكِر، ويَحْتَمِل أن يقال: إن اللَّه تعالى يستر عنهم ما يعملونه فيما بين الوقتين، لكنه بناء على أنهم غير الحفظة، وفيه إشارة إلى الحديث الآخر: "إن الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما"، فمن ثَمَّ وقع السؤال من كل طائفة عن آخر شيء فارقوهم عليه.
(ثُم يَعْرُجُ) من باب قتل، أي يَصْعَد الملائكة (الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ) يقال: بَاتَ يَبِيتُ بَيْتُوتَة، ومَبِيتًا، وَمَبَاتًا، فهو بَائِتٌ: إذا فَعَلَ فِعْلًا بالليل، كما اختصّ الفعل في "ظَلَّ" بالنهار، وقد تأتي بمعنى "صار"، يقال: بات بموضع كذا، أي صَارَ بِهِ، سواء كان في ليل، أو نهار، وبَاتَ يَبَاتُ من باب تَعِبَ لغة، أفاده الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (?).
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: المناسب هنا معنى "صار"، فيَشْمَل الحديثُ الذين كانوا معهم ليلًا، والذين كانوا معهم نهارًا، ولا داعي إلى التكلفات الآتية.
وقال في "الفتح": اختُلِفَ في سبب الاقتصار على سؤال الذين باتوا دون الذين ظَلُّوا، فقيل: هو من باب الاكتفاء بذكر أحد المثلين عن الآخر، كقوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9)} [الأعلى: 9] أي وإن لم تنفع، وقوله تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81] أي والبرد، وإلى هذا أشار ابن التين وغيره.
ثم قيل: الحكمة في الاقتصار على ذلك أن حكم طرفي النهار يعلم من حكم طرفي الليل، فلو ذكره لكان تكرارًا.
ثم قيل: الحكمة في الاقتصار على هذا الشِّقِّ دون الآخر أن الليل مظنة