حالة الترك دون غيرها في قوله: "كيف تركتم عبادي"، ذكره في "الفتح" (?).
وعبارة القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وهؤلاء الملائكة إن كانوا هم الحفظة، فسؤال اللَّه تعالى لهم بقوله: "كيف تركتم عبادي؟ " إنما هو سؤال عما أمرهم به من حفظهم لأعمالهم، وكَتْبهم إياها عليهم، وعلى أنهم هم الحَفَظَةُ مذهب الجمهور، وإن كانوا غيرهم، وهو الأظهر عندي، فسؤاله تعالى لهم إنما هو على جهة التوبيخ لمن قال: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} [البقرة: 30]، وإظهارًا لما سبق في معلومه؛ إذ قال لهم: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30]، وهذه حكمة اجتماعهم في صلاتي الفجر والعصر، واللَّه تعالى أعلم.
قال: أو يكون سؤاله لهم استدعاءً لشهادتهم لهم، ولذلك قالوا: "تركناهم وهم يصلّون، وأتيناهم وهم يصلّون"، وهذا من خفيّ لطفه تبارك وتعالى، وجميل سَتْره؛ إذ أطلعهم بكرمه عليهم حالة عباداتهم، ولم يُطلعهم عليهم، ولا جمعهم لهم في حال خلواتهم بلذّاتهم، وانهماكهم في معاصيهم وشهواتهم، فسبحانه من حليم كريم جليل؛ إذ سَتَرَ القبيح، وأظهر الجميل. انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (?).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي قاله القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- مبنيّ على ما استظهر من أن المراد بالملائكة هنا غير الحفظة، وهو الظاهر، وأما على ما ذهب إليه غيره من أنهم هم الحفظة، فسيأتي توجيهه في كلام الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، واللَّه تعالى أعلم.
(وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَصَلَاةِ الْعَصْرِ) قال الزين ابن المُنَيِّر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: التعاقب مغاير للاجتماع، لكن ذلك مُنَزَّل على حالين، قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وهو ظاهر.
وقال ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الأظهر أنهم يشهدون معهم الصلاة في الجماعة، واللفظ محتمل للجماعة وغيرها، كما يَحْتَمل أن التعاقب يقع بين طائفتين دون غيرهم، وأن يقع التعاقب بينهم في النوع، لا في الشخص.
وقال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: والحكمة في اجتماعهم في هاتين الصلاتين