المعصية، فلما لم يقع منهم عصيان مع إمكان دواعي الفعل من إمكان الإخفاء ونحوه، واشتغلوا بالطاعة كان النهار أولى بذلك، فكان السؤال عن الليل أبلغ من السؤال عن النهار؛ لكون النهار محل الاشتهار.
وقيل: الحكمة في ذلك أن ملائكة الليل إذا صَلَّوُا الفجرَ عَرَجُوا في الحال، وملائكة النهار إذا صلوا العصر لَبِثُوا إلى آخر النهار؛ لضبط بقية عمل النهار، قال الحافظ: وهذا ضعيف؛ لأنه يقتضي أن ملائكة النهار لا يسألون عن وقت العصر، وهو خلاف ظاهر الحديث، كما سيأتي، ثم هو مبني على أنهم الحفظة، وفيه نظر؛ لما سنبيّنه، وقيل: بناه أيضًا على أنهم الحفظة أنهم ملائكة النهار فقط، وهم لا يبرحون عن ملازمة بني آدم، وملائكة الليل هم الذين يعرجون، ويتعاقبون، ويؤيده ما رواه أبو نعيم في "كتاب الصلاة" له من طريق الأسود بن يزيد النخعي، قال: "يلتقي الحارسان -أي ملائكة الليل، وملائكة النهار- عند صلاة الصبح، فيسلم بعضهم على بعض، فتصعد ملائكة الليل، وتلبث ملائكة النهار".
وقيل: يَحْتَمِل أن يكون العروج إنما يقع عند صلاة الفجر خاصّة، وأما النزول فيقع في الصلاتين معًا، وفيه التعاقب، وصورته أن تنزل طائفة عند العصر، وتبيت، ثم تنزل طائفة ثانية عند الفجر، فيجتمع الطائفتان في صلاة الفجر، ثم يعرج الذين باتوا فقط، ويستمر الذين نزلوا وقت الفجر إلى العصر، فتنزل الطائفة الأخرى، فيحصل اجتماعهم عند العصر أيضًا، ولا يصعد منهم أحد، بل تبيت الطائفتان أيضًا، ثم تعرج إحدى الطائفتين، ويستمرّ ذلك، فتصح صورة التعاقب مع اختصاص النزول بالعصر، والعروج بالفجر، فلهذا خُصَّ السؤال بالذين باتوا، واللَّه تعالى أعلم.
وقيل: إن قوله في هذا الحديث: "ويجتمعون في صلاة الفجر، وصلاة العصر" وَهَمٌ؛ لأنه ثَبَتَ في طرق كثيرة أن الاجتماع في صلاة الفجر من غير ذكر صلاة العصر، كما في "الصحيحين" من طريق سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة في أثناء حديث قال فيه: "وتجتمع ملائكة الليل، وملائكة النهار في صلاة الفجر"، وقال أبو هريرة: واقرؤوا إن شئتم {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78].