وحاشا للَّه أن يأتي اضطراب عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. انتهى كلام ابن حزم -رَحِمَهُ اللَّهُ- (?)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا، واللَّه تعالى أعلم.

({وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}) أي خاشعين ذليلين، مستكينين بين يديه، قاله ابن كثير -رَحِمَهُ اللَّهُ- (?)، وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: اختُلِف في معنى {قَانِتِينَ} على أقوال:

[الأول]: أن معناه ساكتين، وبه قال السُّدّيّ.

[الثاني]: طائعين، وبه قال الشعبيّ، وجابرُ بنُ زيد، وعطاء، وسعيد بن جبير، وقال الضحاك: كل قنوت في القرآن، فإنما يُعْنَى به الطاعة.

[الثالث]: خاشعين، وبه قال مجاهد، قال: والقنوت طول الركوع، والخشوع، وغَضّ البصر، وخفض الجَنَاح.

[الرابع]: القنوت طول القيام، وبه قال ابن عمر، وقرأ: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا}، وأخرج مسلم في "صحيحه": "أفضلُ الصلاةِ طولُ القنوت"، وقال الشاعر [من الرَّمَل]:

قَانِتًا للَّهِ يَدْعُو رَبَّهُ ... وَعَلَى عَمْدٍ مِنَ النَّاسِ اعْتَزَالْ

[الخامس]: معناه داعين، لما في "الصحيحين" من حديث أنس -رضي اللَّه عنه-: "قَنَتَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شهرًا. . . " الحديث. أي دعا، وقال قوم: معناه طَوَّلَ قيامه.

قال الجامع: أرجح هذه الأقوال عندي أولها؛ لما في "الصحيحين" من حديث زيد بن أرقم -رضي اللَّه عنه- قال: "كنا نتكلم في الصلاة يُكَلِّمُ الرجلُ منا صاحبه، وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]، فأمرنا بالسكوت، ونُهِينا عن الكلام".

فهذا نصّ واضحٌ في كون معنى القنوت في الآية هو السكوتَ، فتبصر، واللَّه أعلم.

وقيل: إن أصل القنوت في اللغة الدوام على الشيء، ومن حيث كان أصل القنوت في اللغة الدوام على الشيء جاز أن يُسَمَّى مديمُ الطاعة قانتًا، وكذلك من أطَالَ القيامَ، والقراءةَ والدعاءَ في الصلاة، أو أطال الخشوع والسكوت كل هؤلاء فاعلون للقنوت (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015