وقال ابن قتيبة: معناه إن الحياء يمنع صاحبه من ارتكاب المعاصي، كما يمنع الإيمان، فسُمّي إيمانًا، كما يُسَمَّى الشيءُ باسم ما قام مقامه.

وحاصله أن إطلاق كونه من الإيمان مجاز (?)، والظاهر أن الناهي ما كان يعرف أن الحياء من مكملات الإيمان، فلهذا وقع التأكيد، وقد يكون التأكيد من جهة أن القضية في نفسها مما يهتم به، وإن لم يكن هناك منكر.

قال الراغب: الحياء انقباض النفس عن القبيح، وهو من خصائص الإنسان؛ ليرتدع عن ارتكاب كل ما يَشتهي، فلا يكون كالبهيمة، وهو مركب من جُبن وعفة، فلذلك لا يكون المستحي فاسقًا، وقَلَّما يكون الشجاع مُسْتَحِيًا، وقد يكون لمطلق الانقباض، كما في بعض الصبيان. انتهى ملخصًا.

وقال غيره: هو انقباض النفس، خشية ارتكاب ما يُكرَه، أعم من أن يكون شرعيًّا، أو عقليًّا، أو عرفيًّا، ومقابل الأول فاسق، والثاني مجنون، والثالث أَبْلَهُ، قال: وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الحياء شعبة من الإيمان": أي أثر من آثار الإيمان.

وقال الْحَلِيميّ: حقيقة الحياء: خوف الذم بنسبة الشر إليه. وقال غيره: إن كان في مُحَرَّم فهو واجب، وإن كان في مكروه، فهو مندوب، وإن كان في مباح، فهو العرفي، وهو المراد بقوله: "الحياء لا يأتي إلا بخير"، ويجمع كل ذلك أن المباح إنما هو ما يقع على وفق الشرع، إثباتًا ونفيًا. وحُكِي عن بعض السلف: رأيت المعاصي مَذَلَّةً، فتركتها مروءة، فصارت ديانةً. وقد يتولد الحياء من الله تعالى من التقلب في نعمه، فيستحي العاقل أن يستعين بها على معصيته.

وقد قال بعض السلف: خَفِ اللهَ على قَدْرِ قُدْرَته عليك، واستحي منه على قَدْر قُرْبه منك. قاله في "الفتح" (?).

والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015